حقيقة الكذب 3

حقيقة الكذب (3)

المغرب اليوم -

حقيقة الكذب 3

آن الصافي

أثناء استخراجه لبطاقة قيادة السيارة تعثر وهو في سلم المكتب المعني. كسر ذراعه. رافقه الألم لأسابيع بعدها. مرت أيام قلة، اقتنى سيارة جديدة، تعرض لحادث سير. تهشمت سيارته بشكل مريع واستلزمت صيانتها وتوفير قطع الغيار اللازمة قرابة الشهرين. 
جلس يشكي لمستمعه، متذمراً من قدر لا يفهم غايته معه وهو كائن بريء. أنصت المستمع،  وفي عينيه رسائل جمة. لم يستوعبها الشاكي، بكل تأكيد. فكل ما يدور في ذهنه، أنه في دوامة، لا يعرف لها مخرجاً وما يسمى (سؤ الحظ)!
بدون مقدمات، هب المستمع واقفاً ، فتح باب الحجرة، نظر إليه، كطفل يعبث بالكلمات قائلاً،
الجزاء من جنس العمل.
لم ينتظر رده. عرج مغادراً.
ولأول مرة يكتشف الشاكي أن المستمع، لديه أجنحة بطول قامته، رسم على وجهه المعنى الحقيقي لما حملته لوحة الصرخة (Skrik) _1893 للفنان النرويجي إدفارت مونك.

تصفيق حاد وضحكات مدوية لحشود حوله لم يرى أجسادهم، بل فقط نُهش واقعه بسخرية صادمة.
(إنتهى)

عزيزي القارئ، في مجتمعاتنا يروج لما يسمى بالكذب الأبيض، بصيغة الجدية أو الممازحة على حد سواء. قد تنطلي هذه الصفة على برامج الكاميرا الخفية، بتلفزيوناتنا العربية مثلاً، لرصد رد فعل الأفراد، وخاصة المشهورين منهم، في مواقف مربكة تجعل من الضيف (أضحوكة)  وكأنه، إن جاز التشبيه (كائن) تحت تجربة ما. بينما يروج القائمين على العمل بأن الهدف، رسم ابتسامة المُشاهد. 
إن كان الغرض حقاً من هذه البرامج هو المتعة، نجدها تصل بنا في الكثير من المواقف إلى التراجيديا والكوميديا السوداء، وربما الرعب والإثارة فقط وربما ينجح في رسم ابتسامة وضحكة أيضاً. لا ننسى معظم هذه البرامج لها أصول غير عربية وأخذت بعض القنوات التلفزيونية حق انتاجها بثوب أقرب لمجتمعاتنا؛ كما يدعون؛  وإعادة صناعتها بكوادر عربية. في العديد من هذه البرامج، يصدف ونجد التكرار في تناول فكرة المصيدة. تأتي بعض الأخبار أن هذه البرامج ربما تكون بإتفاق مع الضيف من قبل القائمين على العمل، أي لا سبيل للصدفة، وكل ذلك يتم بمقابل مادي جيد يتحصل عليه الضيف. 
لايهمنا في ذلك سوى حقيقة تنطوي تحت سؤال: ماذا جنى المشاهد من هذه المواقف؟ 
إن كانت الإجابة المتعة، فلأي درجة؟
عدة أقلام ومتحدثين تناولوا هذه النوعية من البرامج ورصد ما تبثه في المجتمع من آثار. ومن ناحية أخرى، نرى هذه البرامج في تزايد واستمرارية، مع مواسم تتزامن وشهر رمضان من كل عام. بكل تأكيد، هناك قنوات إعلامية وشركات وأفراد يجنون مبالغ طائلة لصناعتها وترويجها.
 لننظر لأرض الواقع، هذه البرامج، لا تختلف كثيراً عنها تمثيليات/مشاهد يؤديها أناس في مجتمعاتنا، للوصول إلى أهداف تعنيهم. فقط أن الضحية في هذه الحالة، لا تتقاضى مقابل مادي، بل ربما هي من تدفع الثمن كما يشاء الطالب. 
هناك دوافع لتقبل أو رفض هذه المواقف من قبل المتلقي، سواء من على شاشة التلفاز أو شاشة الواقع.   وهناك  من لا يعر للأمر اهتماماً. في كل الأحوال، هناك ما يستدعي دراسة واقعنا لرصد وعي المتلقي وأثر هذه المشاهد على سلوكياته وحياته.
عزيزي القارئ: في القصة أعلى المقال جملة (الجزاء من جنس العمل) بالنظر لبرامج الكاميرا الخفية هذه، هل هي نداء لإستغلال براءة الإنسان أياً كان؟ أهي دعوة لإختراق خصوصيته، ورؤية تصرفاته حين إنفعال وغضب، وتعرضه لمواقف محرجة ومفاجئة؟ أم هي فقط، فعل الطبيعة المكافئ لكل عمل؟
أين حقيقة الكذب في النص أعلاه، أهي خطوط تشمل جميع أطراف العمل، تعرفها وتحركها اليد صانعة المشهد؟!
العمل الإبداعي يُخلد، بعمق فكرته وابتكاره، ودمج وعي المتلقي كعنصر أساسي في نسيج العمل.    

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقيقة الكذب 3 حقيقة الكذب 3



GMT 09:22 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

"أديب ذو سجون " للكاتب المغربي عبده حقي

GMT 04:13 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تدريس مادة التربية الإسلامية والمسيحية بالأمازيغية

GMT 12:20 2019 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

فتاة القطار

GMT 17:55 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

عالم الأمومة المفخخ

GMT 12:05 2019 الإثنين ,20 أيار / مايو

أجيال

GMT 19:07 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 14:38 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

الحُرّيّة

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 08:18 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

توقعات "الأرصاد الجوية" لطقس المملكة المغربية الأربعاء

GMT 12:18 2015 الخميس ,04 حزيران / يونيو

دراسة تؤكد أن القطط تسبب مشاكل فى ذاكرة الأطفال

GMT 04:23 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق سيدات الأهلى يتغلّب على الطيران في دوري عمومي اليد

GMT 15:53 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

"Xiaomi" تدخل عالم صناعة السيارات!

GMT 12:16 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

صحف إيطاليا تنشغل بصفقات إنتر ميلان ورحيل بنعطية
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya