جامعة بلا غد

جامعة بلا غد

المغرب اليوم -

جامعة بلا غد

ادريس الكنبوري


قد تكون المصادفة وحدها التي جعلت مقتل الطالب الحسناوي في جامعة فاس يتزامن مع الفوبيا الجماعية تجاه الظاهرة الإجرامية التي عرفت ب"التشرميل". فالذين يحملون السيوف والخناجر ويعترضون طريق المواطنين لا يقبلون حوارا مع هؤلاء، بل يأتون بنية الاعتداء سلفا، وهو نفس الأمر الذي حصل في جامعة فاس.
منذ سنوات طويلة توقفت الجامعة المغربية عن صناعة الأخبار، علما بأن الأخبار الوحيدة التي كانت تصدر عنها كانت أخبار العنف الجامعي بين الفصائل الطلابية. وطيلة سنوات هذا الهدوء انتظر الجميع أن تنتقل الجامعة إلى مرحلة ما بعد الاحتقانات الإيديولوجية، بحيث تتحول إلى مصدر لإرسال الأخبار السعيدة، أخبار البحث العلمي والابتكار والإنتاج، وأن تستشعر مقدار المسافة التي تفصلها من مكانها هنا في المغرب عن الجامعة في مختلف بلدان العالم، الجامعة كما ينبغي لها أن تكون.
الوضع في الجامعة المغربية مخيف جدا، والأرقام المنشورة حول البحث العلمي والإنتاج هي أرقام تكاد تكون مضحكة. ففي كتابه"المهمة غير المكتملة للجامعة المغربية" الصادر بالفرنسية عام 1999، يقدم عبد الله المصلوت مثالا نموذجيا لتخبط الدولة إزاء البحث العلمي الجامعي، من خلال"المركز الوطني للتنسيق والتخطيط في البحث العلمي والتقني". أنشئ هذا المركز عام 1976 بهدف دعم البحث العلمي على الصعيد الوطني، داخل وخارج الجامعة، لكنه ولد ميتا منذ البداية، بدون إدارة ولا تمويل ولا برنامج. وقد انتظر انعقاد أول اجتماع لمجلس إدارته سبع سنوات لكي ينعقد عام 1983، بينما لم ينعقد الاجتماع الثاني إلا بعد إثني عشر عاما، أي في عام 1995، أما اللجنة العلمية، التي كان يفترض أن تتشكل مباشرة فور تأسيس المركز بمجرد إصدار مرسوم، فلم تتكون إلا بعد عشر سنوات بعد التأسيس، وكان يجب انتظار عشر سنوات أخرى لكي تتم جدولة اجتماعات اللجنة، الاجتماعات التي لم تنعقد أبدا.
وهذه ليست سوى الصورة الهزلية الظاهرة لمأساة البحث العلمي في الجامعة المغربية. ويبدو أن الدولة لا تريد جامعة يكون دورها تعزيز البحث العلمي، لكنها لا تريد أيضا جامعة تكون مسرحا للعنف والاضطرابات. بيد أن النخبة السياسية في البلاد، وجزء كبير منها خريج الجامعة، أدارت ظهرها للواقع المرير الذي تعيشه. وعلى سبيل المثال: كم عدد الأسئلة التي تهم الأوضاع في الجامعة داخل البرلمان؟ وإذا عرفنا الجواب، عرفنا أنه لا يمكن لأحزاب سياسية همها الأساسي تدبير ما بين محطتين انتخابيتين أن تضع الجامعة وهمومها على رأس أولوياتها.
والواقع أن التنظيمات السياسية تتحمل جانبا من المسؤولية في ما حصل بفاس، نتيجة تركها للفراغ في الجامعة المغربية وعدم الاهتمام بإحلال ثقافة الحوار والنقاش العلمي بديلا عن "ثقافة" العنف. فجل الأحزاب السياسية التاريخية كانت لديها فصائل طلابية، وهي كلها عاشت تجارب العنف الدموي داخل الجامعة المغربية، وتعرف أن دائرة العنف لم تؤد إلى نتائج في وقته، وباتت تدرك اليوم بشكل ملموس أن لعبة التوازنات داخل الجامعة ليست هي نفسها داخل المجتمع، كما كانت بعض الأحزاب تتوهم في الماضي، لكنها مع ذلك لم تعمل على تحويل"فائض العنف"الفصائلي نحو التحصيل العلمي والابتكار والحوار والحس النقدي، مستفيدة من قراءة ذلك الماضي، لو أنها أنجزت مثل تلك القراءة وقامت بنقد ذاتي وتقييم للحصيلة.
المؤسف أن المغرب انخرط في بداية العقد الفائت في دفن الماضي وإعمال مبدأ المصالحة والإنصاف، بيد أن هذه الثقافة لم تتخط أسوار الجامعة، وربما لم تتشربها عقول بعض النخب السياسية في البلاد، التي زادت في حدة الاحتقان نتيجة إعادة إحياء ملفات قديمة وتضخيمها لحسابات سياسية، مهما كان فهي توجد خارج الجامعة. زد على ذلك أن هذه الملفات تنتمي مجتمعة إلى ظاهرة عامة يطلق عليها"العنف الجامعي"، وهي ظاهرة غير قابلة للانتقاء ويجب التعاطي معها في شموليتها، إذا كان لا بد من ذلك، لا كأداة حرب ضد طرف دون آخر، لأنها ظاهرة كانت تهم جميع الأطراف خلال الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، أما سياسة الانتقام فلن يجني منها أحد سوى الأشواك، وما حصل في فاس نتيجة لهذه السياسة الاندفاعية، والخاسر الأكبر هو المغرب وجامعته وطلبة الغد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جامعة بلا غد جامعة بلا غد



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 01:26 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الرئيس ترامب يصف كيم جونغ أون بـ"رجل الصواريخ"

GMT 00:59 2016 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

كاظم الساهر يشارك جمهوره كلمات أغنية "تناقضات" عبر "فيس بوك"

GMT 06:56 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

فوز فتاة من بيلاروس بلقب ملكة جمال العالم على كرسي متحرك

GMT 10:44 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

وفاة رئيس أركان الجيش الجزائري قايد صالح وتعيين بديل عنه

GMT 04:36 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

مشادة لفظية بين طاليس وفدوى الطالبي على "التواصل الاجتماعي"

GMT 14:16 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

تييري هنري يسعى إلى ضم سيسك فابريغاس إلى موناكو

GMT 11:59 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف الخمايسي يهدي "جو العظيم" إلى أحمد خالد توفيق
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya