عندما يهرب لبنان إلى صفقة القرن

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

المغرب اليوم -

عندما يهرب لبنان إلى صفقة القرن

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

"صفقة القرن" لن تمرّ لسبب في غاية البساطة. هذا السبب هو الهويّة الوطنية الفلسطينية التي لم تستطع إسرائيل القضاء عليها. بقيت هذه الوطنية حيّة على الرغم من كلّ الأخطاء التي ارتكبت منذ قرار التقسيم في العام 1947.

كشفت “صفقة القرن” التي ليست سوى صفقة أميركية – إسرائيلية العجز الذي يعاني منه عرب كثيرون في مجال التصالح مع الحقيقة والواقع. المضحك المبكي أن لبنانيين كثيرين وضعوا أنفسهم في الواجهة في خدمة المشروع الإيراني الذي تاجر بالقضيّة الفلسطينية والقدس واستخدمهما غطاء من أجل قيام ميليشيات مذهبية مسلّحة عملت باستمرار على إيصال لبنان إلى ما وصل إليه. أي إلى حال من الإفلاس يرافقها تشكيل حكومة حسّان دياب التي لا علاقة لها لا بمشاكل لبنان ولا بما يدور في المنطقة.

للمرّة الألف، ليست “صفقة العصر” سوى ضوء أخضر أميركي من أجل متابعة اليمين الإسرائيلي عملية وضع اليد على الضفّة الغربية بما في ذلك غور الأردن، إضافة إلى القدس طبعا. كلّ ما في الأمر أن أميركا قرّرت، في عهد دونالد ترامب، خلق واقع جديد على الأرض يرفضه كلّ عاقل. هذا العاقل، أكان إسرائيليا أم أميركيا، يعرف أن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي لا علاقة لها بالسلام بمقدار ما أنّ لديها علاقة بتكريس الاحتلال الإسرائيلي للضفّة الغربية على أن تكون هناك في يوم من الأيام دولة فلسطينية غير قابلة للحياة.

سيتوجب على هذه الدولة الدوران في الفلك الإسرائيلي، تماما كما حال السلطة الوطنية اليوم التي ليس لديها ما تهدّد به سوى إلغاء كلّ الاتفاقات الموقّعة مع إسرائيل منذ توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993. أيّ معنى لهذه السلطة العاجزة من دون التعاون الأمني القائم بين جهازها الأمني والأمن الإسرائيلي؟

هذا باختصار ما تعنيه “صفقة القرن” التي تمثّل رغبة لدى إدارة دونالد ترامب في استرضاء اليمين الإسرائيلي الذي بات يسيطر على مقدرات تلك الدولة التي أعلنها ديفيد بن غوريون في العام 1948. ما لم يقله دونالد ترامب قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تحدّث عن إسرائيل كـ”دولة يهودية” مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على وضع الفلسطينيين المقيمين داخل “الخط الأخضر” في إسرائيل، أي داخل حدود ما كانت عليه قبل حرب 1967. ليس سرّا أن اليمين الإسرائيلي يبحث عن طريقة للتخلّص من الفلسطينيين الذين يسمّون عرب إسرائيل من حاملي الجنسية الإسرائيلية. لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا هو إلى أين يمكن لإسرائيل تهجير هؤلاء في وقت لم يعد سرّا أن النمو الديموغرافي ليس في مصلحة اليهود المقيمين في أرض فلسطين التاريخية.

لا يمكن تجاهل ما حصل في البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي في الثامن والعشرين من كانون الثاني – يناير 2020. لا يمكن التصرّف بما يوحي أن الحدث لا يعني الفلسطينيين والعرب. هناك بكل بساطة حاجة إلى اتخاذ موقف واضح ممّا يجري. يتلخّص مثل هذا الموقف في السعي إلى التأثير في الأحداث من جهة ومحاولة التخفيف من الأضرار الناجمة عن الانحياز الأميركي الكامل لليمين الإسرائيلي ونظرياته التي لن تؤدي سوى إلى خدمة المشروع التوسّعي الإيراني الذي هو في خطورة المشروع اليميني الإسرائيلي في أقل تقدير.

الأكيد أن اتخاذ موقف لا يكون عبر إطلاق الشعارات الفارغة من نوع أن القدس عربيّة وأنّ فلسطين عربيّة لتبرير بقاء سلاح “حزب الله” غير الشرعي والحاجة إليه لبنانيا.

من سخريات القدر أن جماعة “التيار الوطني الحر” الذين يسميهم الناس “عونيين”، نسبة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، رفعوا فجأة رموزا فلسطينية مثل وضع الكوفية (الشال الفلسطيني) حول رقابهم. من يريد بالفعل مساعدة الفلسطينيين لا يتاجر بقضيّتهم، بل يسعى إلى مساعدتهم، أقله إنسانيا، حيث أمكن في انتظار يوم يوجد فيه حلّ ما يسمح لهم بالعيش في ظروف أفضل من تلك التي يعيشون فيها في مخيمات لبنان.

من يريد مساعدة الفلسطينيين، على الرغم من كلّ ما ارتكبوه في لبنان قبل العام 1982، لا يلجأ إلى اضطهادهم، خصوصا عبر استخدام لغة تنمّ عن أبشع أنواع العنصرية… والإعلان عن أنّه مع قضيتهم في الوقت ذاته!

لن تمرّ “صفقة القرن” لسبب في غاية البساطة. هذا السبب هو الهويّة الوطنية الفلسطينية التي لم تستطع إسرائيل القضاء عليها. بقيت هذه الوطنية حيّة على الرغم من كلّ الأخطاء التي ارتكبت منذ قرار التقسيم في العام 1947 وكلّ ما حصل من متاجرة بالقضيّة الفلسطينية على يد كثيرين. يمكن البدء بالاتحاد السوفياتي والانتهاء بإيران مرورا بطبيعة الحال بالنظام السوري الذي قتل من الفلسطينيين أكثر بكثير مما قتلت إسرائيل، إضافة إلى توريطهم في الوحول اللبنانية. يبقى ما حلّ بمخيّم اليرموك قرب دمشق خير دليل على الموقف الحقيقي للنظام السوري من الفلسطينيين عموما.

على من يريد من اللبنانيين مواجهة “صفقة القرن” بالفعل، أن يهتمّ بلبنان أوّلا وبمشاكله بدل إطلاق الشعارات الفارغة. هناك انهيار لبناني على كلّ صعيد. لا يمكن الهرب من هذا الانهيار إلى “صفقة القرن”. كلّ ما في الأمر أن هذه الصفقة ليست سوى صيغة لتصفية القضية الفلسطينية التي تمرّ بظروف صعبة ومعقّدة في ظلّ غياب القيادة الواعية القادرة على اتخاذ قرارات تتجاوز مسألة التعاون الأمني مع إسرائيل.

لا يفيد الهرب اللبناني إلى “صفقة القرن” في شيء. على العكس من ذلك، يعطي هذا الهرب فكرة عن العجز اللبناني عن استيعاب عمق الأزمة اللبنانية التي جعلت المواطن العادي غير قادر على التصرّف بماله المودع في المصارف اللبنانية. أكثر من ذلك، لا مجال للتعويل على من لا يدرك خطورة ما يعنيه ما أصاب النظام المصرفي اللبناني. لا مجال أيضا للتعويل على من لا يستوعب معنى أن تكون إيران من يتباهى بامتلاك أكثرية في مجلس النواب اللبناني. هل من يريد أن يتذكّر تصريح قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، الذي صُفّي أخيرا على يد الأميركيين، بعيد إعلان نتائج الانتخابات النيابية التي أجريت في السادس من أيّار – مايو 2018؟

باختصار شديد. الوضع اللبناني أسوأ بكثير مما يعتقد. ثمّة حاجة إلى تغيير كبير على أعلى مستوى. ثمّة حاجة إلى من يعرف تماما ما هي “صفقة القرن” وماذا تعنيه وأن إقحام لبنان نفسه في التصدّي لها بطريقة، أقل ما يمكن أن توصف به أنّها سخيفة، لن يفيده في شيء. على العكس من ذلك إن التذرّع بتلك الصفقة الأميركية – الإسرائيلية يؤكد المأزق اللبناني الذي لا خروج منه من دون امتلاك شجاعة ما. إنّها شجاعة الاعتراف بأنّ “سلاح حزب الله”، وريث السلاح الفلسطيني، في أساس كلّ هذا الانهيار!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يهرب لبنان إلى صفقة القرن عندما يهرب لبنان إلى صفقة القرن



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 05:17 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

نبات "الكافا" أفضل تكملة لتحسين الحالة النفسية

GMT 19:13 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

جون سينا يرتدي ملابس نيكي بيلا ويقلدها بشكل غريب للغاية

GMT 00:44 2017 الخميس ,27 إبريل / نيسان

منة شلبي تتحدث عن دورها في مسلسل "واحة الغروب"

GMT 17:20 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكاف" يكشف موقفه من حركة عماد متعب المثيرة للجدل

GMT 02:37 2015 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

الأحمر لمسة جديدة تقتحم موضة ملابس الرجال لموسم شتاء 2016

GMT 06:52 2017 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

أسعار العملات العربية والأجنبية بالدينار الجزائري الأربعاء

GMT 10:32 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

عين الجمل وصفة سحرية للذكاء والجنس والحمية والسرطان

GMT 16:30 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

رئيس منظمة الزوايا يُهوِّن من خطر الشيعة في الجزائر

GMT 03:20 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

سيدة الصين الأولى تلتقي زوجة رئيس الوزراء البريطاني

GMT 18:53 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

إيناس النجار تحتفل بخطبتها على رجل الأعمال محمد محفوظ

GMT 03:24 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الفطر القضيبي يطلق محتوى مثير يشبه الهرمونات بمجرد الشم

GMT 01:23 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

إذاعة "ميكس ميغابول" تتعرض للقرصنة من قبل "داعش"

GMT 02:21 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عبير عبد الوهاب تُعلن سبب انضمامها إلى الإعلام

GMT 00:45 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة التغذية تُعطي نصائح للوقاية من أمراض الشتاء مسبقًا

GMT 11:18 2015 الجمعة ,17 تموز / يوليو

السجن لأب أسترالي زوج ابنته ذات الـ12 عام

GMT 08:53 2015 الخميس ,29 كانون الثاني / يناير

علاج التوتر والقلق النفسي

GMT 00:32 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

بدر بانون سعيد بالالتحاق في المنتخب المغربي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya