ثلث المغاربة لا يفتخرون بمغربيتهملماذا

ثلث المغاربة لا يفتخرون بمغربيتهم..لماذا؟

المغرب اليوم -

ثلث المغاربة لا يفتخرون بمغربيتهملماذا

نور الدين مفتاح
بقلم: نور الدين مفتاح

لاشك أن الذي سيقرأ فحوى الاستطلاع المنشور ضمن هذا العدد سيصاب بالدوار قبل أن يجلس على أريكة الصدمة، الموضوع يتعلق بـ "مؤشر الثقة وجودة المؤسسات"، وهو عنوان فضفاض لن نعرف وزنه إلا بعد أن تتدفق الأرقام من نتائج ما توصل إليه "المعهد المغربي لتحليل السياسات".

إن ثلث المغاربة -أيها المغاربة- غير فخورين بأنهم مغاربة! صحيح أن الثلثين فخورون بانتمائهم لوطنهم، ولكن في الوطنية يصعب أن نركن فقط للأغلبية، إن رقم 31,8 بالمائة من المشاركين في استطلاع الرأي غير فخورين بمغربيتهم ليس مخيفا فقط، بل إنه يسائل العمق ويضع جزءا من الثوابت في الميزان، فما الذي يدفع الإنسان إلى الحدود القصوى للكفر بهويته وبلده وجنسيته؟ لنتابع علّنا نجد الجواب.

الأرقام المتعلقة ببعض المؤسسات قد تبدو عادية ما دامت تعكس الشعور العام المتسم بالتذمر في الأوساط الشعبية، فالمغاربة لا يثقون في حكومتهم بنسبة الثلثين تقريبا (68,7٪) ولا يثقون في البرلمان بنسبة 57,5٪، ولكن الملفت والمضحك المبكي أن نجد 90٪ تقريبا لا يعرفون اسم رئيس مجلس المستشارين (89,3٪)، ونفس الشيء بالنسبة للمسكين السي الحبيب المالكي، الذي لم يعرف اسمه كرئيس لمجلس النواب الا 88,3٪ من المغاربة! هذان العزيزان هما الشخصية الوطنية الثالثة في التراتبية الدستورية الوطنية، والمغاربة ليسوا مختلفين معهما فقط أو كارهين لهما حتى، ولكنهم لا يعرفونهما أصلا! ألا يقول المثل اذكروني ولو بسوء؟ وهنا تبدو قساوة الحكم من أن حتى السوء أصبح أكبر وربما أرفع من مناصب من المفروض أنها رفيعة.

وفي نفس القبة المحترمة التي يتبادل فيها السادة نواب الأمة فروض الاحترام المكرورة ويتسابق الكثيرون منهم لأخذ الكلمة خلال البث المتلفز، وإذا لم يتلفز التدخل يزبد ويرغي النائب، وذلك ليبين للمشاهدين أنه هنا في مشروع أن يصبح على كل لسان، فإن نتيجة الاستطلاع ستكون صادمة لهؤلاء بقدر ما هي صادمة لنا ولهذا المغرب الحزين، إن 73,1 بالمائة من المغاربة لم يستطيعوا تقديم ولو اسم واحد من أسماء السيدات أو السادة النواب المحترمين أو اسم من السيدات أو السادة المستشارين المحترمين.

لا ثقة إذن في سلطتين ضمن ثلاثة تقف عليها أي بلاد، وأما الثالثة فكان المغاربة بها أرحم، بحيث إن نسبة عدم الثقة بها كانت أقل من التنفيذية والتشريعية، إلا أنه بالنظر لدور القضاء في إحقاق العدل ورعاية مصالح الناس، ونظرا لاستقلاليته الضرورية وهيبته المفترضة وحرمته، فإن رقم 49,3٪ من المغاربة لا يثقون في  القضاء يعتبر مفزعا  ومؤلما، وبالتالي يمكن أن نستنتج بسهولة أن غالبية المغاربة لا يثقون في مؤسساتهم، وحين يكون جسر الثقة محطما، فإن طموح الإصلاح مهما بذل من أجله من جهد يصبح بمثابة صب الماء في الرمال.

لا داعي بعد هذا للحديث عن الثقة في القطاعات الحيوية بالبلاد، كالتعليم العمومي أو المستشفيات، فالسلبية تحصيل حاصل، إلا أن الذي يمكن أن يلفت أيضا هو أن 83,9 بالمائة من المغاربة يعتبرون أن الفساد مستشر في البلاد، وهم لا يثقون في مشاريع محاربته!

وإذا كانت بارقة الأمل في مثل هذه الأوضاع تكمن في التطلع إلى البديل، وكانت الأحزاب السياسية هي الطريق الوحيد لحمل أي إصلاح ممكن، فإن صدمة الاستطلاع هي أن 68,8 بالمائة لا يثقون في الأحزاب.

والغريب أنه حتى إذا خرجنا من العام إلى الخاص، ومن الدولة إلى المجتمع، سنجد أن المغربي ضيّع روح الثقة فيه. هل يعقل أن 90,6 بالمائة من المغاربة لا يثقون في الناس؟! وهل يتصور أن 45,4 بالمائة لا يثقون في بعضهم البعض؟! مصيبة.

إن التفسير الأقرب لهذه اللوحة التجريدية القاتمة المعقدة هو أن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والميوعة السياسية والفوارق الجنونية خلفت يأسا واضحا في العرض السياسي والمؤسساتي، وكان من الأعراض الجانبية لهذا اليأس الأسود نوع من الاكتئاب القيمي العام، حتى إنك لا تجد من شيء متوقد في المغرب إلا الحذر والريبة.

وإذا كانت أمراض المجتمع هي نتيجة لتراكمات عقود من تدبير معين لشؤون الناس العامة، فإن هذه الثقة المهزوزة بين المغاربة تفرخ سلوكات أخرى تكاد تصبح علامة مسجلة، وعلى رأسها انعدام الوضوح، وأحيانا النفاق الاجتماعي، الذي أصبح بمثابة ديبلوماسية اجتماعية غير ممجوجة، بل إن الأغلبية اليوم أصبحت متأكدة أن ما يقوله لها مخاطبها لا يجب أن يؤخذ على محمل الصدقية لأنه سيقول عكسه في غياب المخاطب الأول، ولعبة الأقنعة هاته استفحلت داخل النخبة أكثر منها في الأوساط الشعبية التي ماتزال مندفعة وأحيانا صريحة صراحة تصل إلى حدود الخطوط الحمراء!

إن هذه الانطباعات التحليلية لابد لها لتستقيم من البحث العلمي لفهم هذا المغرب الذي يتحول ولا نحس ببراكينه الداخلية، فهل يعقل أن نصل إلى هذا الدمار في بنيان الثقة في كل شيء ونبقى نتفرج؟ إنه وضع رهيب ومخيف للجميع، ولولا هذا الخوف لما وجدنا أن 78,1٪ من المغاربة في الاستطلاع يثقون في الشرطة و83,3 بالمائة يثقون في القوات المسلحة الملكية.

إننا بحاجة لإكمال الصورة إلى استطلاعات أخرى للرأي لنرى ما هي الأشياء التي لم يسأل عنها المغاربة وتعتبر مثلهم أو قدوتهم أو مثار إعجابهم. إلى أين تذهب ثقتهم؟ وإلى من يطمئنون؟ وهنا سنتوفر على مؤشرات أكبر، لأن خطر الأخطار في البداية والنهاية هو أن يفقد الواحد منا ليس الثقة في نفسه، ولكن أن يفقد التقدير لشخصه، لأن هذه هي الدرجة القصوى من العذاب، وهل هناك من تمزق أكثر من أن يعلن المواطن على الملأ بأنه ليس فخورا بأن يكون مغربيا!

 

قد يهمك ايضا
تأملات على هامش ستينية الاتحاد الاشتراكي
في هجاء الريسوني

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثلث المغاربة لا يفتخرون بمغربيتهملماذا ثلث المغاربة لا يفتخرون بمغربيتهملماذا



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 01:06 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

دلال عبد العزيز تأمل أن ينال "سابع جار" إعجاب الجمهور

GMT 07:03 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إبراهيموفيتش يفضل بولونيا على حساب ميلان ونابولي

GMT 20:22 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

توقيف سيدة مغربية متزوجة من رجلين في تحناوت

GMT 15:12 2019 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

حكم مباراة الكلاسيكو "وش السعد" على ريال مدريد

GMT 14:59 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

أنشيلوتي يُطالب بعدم اللعب على ملعب "إنتر ميلان"

GMT 19:53 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

انتحار سبعيني داخل غرفة نونه في تطوان

GMT 10:38 2018 الأحد ,10 حزيران / يونيو

جزر سياحية تستحق الزيارة في "صيف 2018"‏

GMT 02:21 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

هند صبري تُشير إلى سبب عدم خوضها للسباق الدرامي في رمضان

GMT 16:19 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

وفاة ستيني مخمور من المحتجزين لدى أمن مراكش

GMT 23:03 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

شبكة دولية خطيرة تغرق المغرب بأوراق نقدية مزورة

GMT 22:24 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

نيكولا جبران يعيد مايلي سايرس إلى "هانا مونتانا"

GMT 20:48 2014 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

مصطفى السايح نقيبًا لهيئة المحامين في الرباط
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya