كن أو لا تكن

كن أو لا تكن

المغرب اليوم -

كن أو لا تكن

بقلم : رشيد نيني

عندما تختل البوصلة وتضيع الاتجاهات، عندما تفقد السياسة معانيها وتصبح القناعات مجرد شعارات زائفة، يحار المرء أي طريق يأخذ وأي رفيق يختار وأي هدف يقصد.

عندما تجد نفسك وسط هذه الحيرة فاقدا لكل قدرة على التمييز بين الوجوه والأفكار، يكون أمامك خيار واحد، أن تضرب صفحا عن الجميع ولا تستمع سوى لصوتك الداخلي.

لذلك لا تصبح ماركسيا، فالثورة تأكل أبناءها، ومن يبقى منهم على قيد الحياة ينتهي وزيرا في حكومة يمينية.

لا تصبح كاتبا، فالكتاب نرجسيون ولديهم عاهات مستديمة وعقد كثيرة، ليس فقط مع دور النشر ولكن مع أنفسهم أيضا، ويفقدون البصر مبكرا بسبب القراءة.

لا تكن قاضيا، لأن قاضيين في النار وقاضيا واحدا فقط في الجنة، وأيضا لأن أجرة القاضي تافهة ولذلك تصبح أعين بعضهم بصيرة وأيديهم طويلة جدا.

لا تكن أستاذا، فكثرة الوقوف أمام السبورة تورث الربو والحساسية، وكثرة التفكير في الراتب تقود إلى الترشح في الانتخابات.

لا تكن مخرجا سينمائيا، فالإخراج ينتهي بصاحبه إلى قضاء بقية عمره بعينين خارجتين وراء أموال الدعم.

لا تكن ممثلا في الأفلام والمسلسلات الرديئة، فالممثلون الحقيقيون يوجدون في غرف البرلمان، وهم من الموهبة بحيث يمثلون على شعب بكامله.

لا تكن يساريا، فاليساريون أصبحوا مثل العميان في لوحة «رامبرانت»، أو كالرفاق في أغنية عبد الحليم حافظ، حائرون يتساءلون ويسيرون على غير هدى ويتصادمون في ما بينهم ويتصايحون ثم يتساقطون في أحضان الإخوان المسلمين.

لا تبدأ يمينيا ولو كان لينين على اليسار.

لا تكن مع الوسط، فالوسط الوحيد المتبقي في هذا العالم العربي هو ذلك الوسط الذي تحركه نجوى فؤاد في فضائيات الطرب العربي.

لا تكن تقدميا حتى لا يتزعمك الرجعيون ويتقهقروا بك إلى الخلف.

لا تكن رجعيا حتى لا تسقط الحكومة في حبك.

لا تصبح جنديا، فالأرض ليست لأحد، الله وحده يرث الأرض.

لا تصبح شاعرا، فالقصيدة امرأة غير شريفة تنام كل مساء مع شاعر جديد، وما من شاعر شريفٍ أبدًا.

لا تصبح عاشقاً، فالحب مجرد أمير أعمى يسير في شارع مضاء.

لا تصبح شجرة، فالعصفور جبان والحطاب أيضا جبان.

لا تصبح وردة، فلا أحد يحب الورود حقا، وحتى الذين يحبونها يقطعونها بسبب هذا الحب.

لا تصبح حاكما، فكثرة الجلوس تصيب بالبواسير، وأعمار الحكام كأعمار التماسيح، طويلة جدا.

لا تصبح رجلا، فالرجال قليلون.

لا تصبح امرأة، حتى لا تضطر إلى الوقوف وراء كل تافه يعتقد نفسه عظيما.

لا تنحن كثيرا لكي لا تتحول إلى قنطرة فيعبر الآخرون فوق ظهرك.

لا تقف طويلا لكي لا تتحول إلى نصب تذكاري يتبول عليه السكارى.

لا تنم بعينين مقفلتين لكي لا يفوتك أن ترى أحلامك بوضوح.

لا تعش من أجل أحد، لأن العمر قصير ولا يتسع لأحد آخر غيرك.

لا تصدق نصائح الأطباء حول السكر والملح والكوليستيرول والتبغ، لأننا كلنا سنموت في نهاية المطاف، بسبب الضغط أو بسبب الحسرة.

لا تكن صاحب قضية، ومن الأفضل أن تكون صاحب قاض، فهذا أفيد بالنظر إلى الوتيرة التي يحاكمون بها هذه الأيام.

لا تكن زعيم حزب حتى لا تصاب بالعجز الجنسي، فأغلب زعماء الأحزاب السياسية ملتصقون بكراسيهم حتى النهاية ولا يفكرون بـ«ممارسة» شيء آخر غير الزعامة.

لا تكن عازفا على القيثارة حتى لا يتهموك بمحبة الشيطان.

لا تكن متدينا زيادة عن اللزوم حتى لا يتهموك بمحبة الله.

لا تضح من أجل أحد، فالذين ضحى الجميع من أجلهم اتضح أنهم لا يفكرون سوى بأنفسهم، والذين أخلص الجميع في محبتهم اتضح أنهم لم يكونوا يحبون أحدا سواهم، والذين أوشك الجميع أن يموتوا من أجلهم اتضح أنهم غير مستعدين للموت من أجل أحد.
حتى من أجل أنفسهم لن يموت هؤلاء الجبناء.

لا تقاوم من أجل أحد مادام هذا الأخير جبانا يقبل بالاحتقار، فالمقاومون كلهم قدماء ولديهم مكاتب رثة يعدون فيها الشاي على شرف المقدمين والشيوخ والخونة القدامى.

كن منضبطا مثل المساء، فهو لم يخلف موعده أبدا.

كن كريما مثل الغروب الذي يقدم الشمس قربانا كل يوم.

كن كتوما مثل الليل الذي يأتي متخفيا في ثيابه السوداء لكي لا يفطن لقدومه أحد.

كن متواضعا مثل النهار الذي يجرد الليل من ثيابه كل صباح بلا ادعاء أو بطولات.

كن وفيا مثل الطيور، فهي لا تستبدل شدوها أبدا بشيء آخر.

كن مثل الريح، دائم التأفف.

كن مثل النهر، فهو لا يغير مجراه أبدا.

كن مثل الشجرة، فهي تموت واقفة.

كن صامتا مثل الوقت، فهو يمر خلسة على أطراف أصابعه دون أن ينتبه إلى مروره أحد.

كن وفيا مثل الهاتف، فهو لا يخون صاحبه مع هاتف آخر عندما لا يرن.

كن مثل الصدفة، خيرا من ألف ميعاد.

كن بابا موصدا في بيت مهجور.

كن قميصا منسيا تحركه الريح فوق حبل.

كن حجر عثرة في الطريق العام.'

كن مواطنا صالحا لنفسه، وإذا استطعت كن صالحا للآخرين أيض

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كن أو لا تكن كن أو لا تكن



GMT 05:05 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

حتى أنت يا مصيطيفة

GMT 05:06 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الدرهم العائم

GMT 06:18 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

يتيم في العيد

GMT 06:30 2017 الثلاثاء ,30 أيار / مايو

عادات سيئة

GMT 05:40 2017 السبت ,27 أيار / مايو

ولاد لفشوش

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 09:48 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

ماريوت الرياض يحصد جائزة أفضل فندق على مستوى السعودية

GMT 17:01 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية تضرب الحسيمة ليلا بقوة 3,2 درجة

GMT 10:50 2018 الأحد ,11 آذار/ مارس

محمود المليجي أنطوني كوين العرب

GMT 02:28 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

زين العبادي تتحدث عن فن "الفونغ شوي" وأهميته في المنزل

GMT 12:51 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

ماكياج كايلي جينر لعام 2017 يحدد هل كنتي شقية أم لطيفة

GMT 02:05 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفالات تعم زمبابوي بعد إعلان استقالة موغابي

GMT 22:47 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

حلم كأس العالم يعود يا إماراتيون

GMT 09:15 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

شابة تجدل شعرها بالمقلوب لتحصل على تسريحة شعر كالسنبلة

GMT 17:07 2017 الجمعة ,06 كانون الثاني / يناير

انخفاض متوقع لأسعار المنازل في كوريا الجنوبية عام 2017

GMT 17:16 2014 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

كلب من نوع "بيتبول" يهاجم باحث مكلف بالإحصاء

GMT 05:50 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

المطرب يوري مرقدي يكشف عن أسباب عودته إلى التمثيل

GMT 15:35 2015 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة بنتلي بينتايجا 2016 في المغرب

GMT 05:33 2017 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

نسخة من جيب رانجلر مقتبسة من سلسلة أفلام Star Wars
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya