القبح الأخلاقي والمادي

القبح الأخلاقي والمادي

المغرب اليوم -

القبح الأخلاقي والمادي

بقلم : لمرابط مبارك

أعترف لك أنني أغبط (وهذه كلمة مهذبة تجنبي حرج قول “أحسد”) رسامي الكاريكاتور الذين يمتلكون ناصية الريشة امتلاكا كاملا وعميقا.. أغبطهم على تلك القدرة التي تخولهم نقل ما تلتقطه عيونهم الصقرية الحادة من تفاصيل الجسد وتقاسيم الوجه، وتحويلها إلى كائن ينبض حياة على الصفحة البيضاء.

وتابعت بلهفة العاجز عددا منهم في نهاية الأسبوع الماضي في تلك الساحة الجميلة بشفشاون، في إطار الدورة التاسعة للملتقى الوطني لفن الكاريكاتور، الذي صار جزءا من تضاريس هذه المدينة، إلى جانب لونها الأزرق الخاص، وخرير مياه “راس الماء” المنعشة. كان هؤلاء الرسامون منهمكين في التقاط التفاصيل الظاهرة والخفية لكل تلك الوجوه، التي لا يخفي أصحابها دهشتهم عندما تكشف لهم ريشة الرسام تلك الصورة الأخرى التي تختبئ تحت قناع الملامح اليومية.

كنت أتطلع إلى مشاهدة رسم يعكس- إلى حد ما على الأقل- حادثة الفيديو المشين الذي تم تسريبه في بداية الأسبوع الجاري ويظهر ناصر الزفزافي، أحد أبرز وجوه احتجاجات الحسيمة والريف، وهو يتعرض لحصة بشعة من تمريغ كرامته في الوحل، وهو المعتقل الأعزل.

صراحة لم أكن أتوقع هذه المرة العثور على الجوهرة النادرة ولم يخب توقعي. قطعا السبب لا يعود إلى عطب في خيال الرسامين، أو إلى نزلة برد أصابت حاستهم الإبداعية. بل لأن ما شاهدته (وشاهدته كذلك لاشك)، في ذلك الفيديو يدخل ضمن ذلك الواقع الذي قال عنه الروائي الكولومبي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز مرة إنه “أغرب من الخيال”.

صحيح أن الجسد هو “أول موضوع تمارس عليه السلطة فعلها”، كما قال المفكر الفرنسي ميشيل فوكو مرة، ولكن ما حصل مع الزفزافي والطريقة التي عرض بها يؤكد أن السلطة بالمغرب لا تمارس فعلها فقط، على جسد الكائن المغربي، بل تمتلكه امتلاكا كاملا، وتعطي لنفسها الحق في التنكيل به ماديا وإهانته معنويا. ليصبح هذا الكائن رهين محبسين، جسده المثقل بالمحرمات أصلا، (الدين يعتبره فتنة يجب الاحتراز منها، والجماعة تعتبره مصدرا للقلاقل ووسيلة للاحتجاج والتمرد ويجب ضبطه)، والسلطة التي لا تقيم له ولا لبدنه أي حرمة. فهي تعتبره قاصرا لا حكم له على نفسه ولا على جسده. فلا تسري عليه كل تلك النصوص القانونية المحلية والدولية التي تحرم المساس به، وتقنن بشكل صارم طريقة اعتقاله وظروف حبسه. وبالتالي يحق لها مصادرته والتصرف فيه بتأديبه، وإهانته، وتعريته وحتى تشريده… إلخ.

قال الشاعر الفرنسي شارل بودلير مرة وهو يكتب عن الكاريكاتور، إنه يعرض للإنسان “قبحه الأخلاقي والجسدي/ المادي” (sa propre laideur morale et physique). وما الفيديو الذي ظهر فيه الكائن المغربي المسمى ناصر الزفزافي، سوى “كاريكاتور” بشع يكشف حقا القبح الأخلاقي والمادي للسلطة بالمغرب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القبح الأخلاقي والمادي القبح الأخلاقي والمادي



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 21:12 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزيرة الإماراتي يفاوض الإسباني خوان كارلوس غاريدو

GMT 16:53 2015 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

زكرياء لحلو ينتهي من تصوير مسلسل "دار الضمانة"

GMT 06:51 2015 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

فضيحة رشوة في مستشفى السرطان في الرباط

GMT 13:08 2017 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

سويسرا الاختيار المميز من أجل شهر عسل رائع

GMT 22:17 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هزة أرضية تثير الرعب بين سكان مدينة الناظور

GMT 13:31 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تشكيلة خواتم مرصعة بالأحجار الكريمة من دار BELENCIAGA
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya