حرمة الجسد

حرمة الجسد

المغرب اليوم -

حرمة الجسد

بقلم - لمرابط مبارك

حدث ذلك كثيرا في ماض ليس بالبعيد جدا. ولم تطف إلى سطح الذاكرة الآن، سوى حكايتين من ذلك الكم الهائل من الحالات التي حضرتها أو سمعت عنها.

الحالة الأولى تعود إلى يوم من أيام التسعينيات من القرن الماضي: “سطافيت” تهتز من فرط الركل والضرب الذي كان يتعرض له أحدهم على يد عدد من المخازنية. كان الاهتزاز وأصوات اللكمات والركلات وآهات الألم كافية لنسج صورة ما يجري بالداخل في أذهان المتفرجين، الذين كان بعضهم لا يخفي تأييده لما يجري هنا، بينما استبد بالآخرين خوف صامت. ولا أحد تجرأ على استنكار ما يحدث علنا. وأخمن أن بعض الواقفين اكتفوا بسب وشتم أصحاب الركلات واللكمات في صدره قبل أن يسرعوا الخطى مبتعدين عبثا، لأن المشهد ظل يلاحقهم كما لاحقني طويلا قبل أن يختفي هناك في تجاويف الذاكرة، ليعود مرة مرة إلى سطحها رفقة مشاهد أخرى مثل هذا المشهد الآخر.
الحكاية الثانية أقدم بقليل من الأولى: كان أحد أبناء الدرب قد تعرض للاعتقال لسبب تافه، ولما أطلق سراحه تحلقنا حوله وراح يحكي لنا بنبرة يختلط فيها نوع من الفخر والخوف كيف تعرض للضرب والصفع، وكيف وضعوا “جفاف” على أنفه حد الاختناق. وكيف أحس أنه “كتولي ديالهم.. يديرو فيك ما بغاو”.

ولعلك تعرف مثلي الكثير من الحكايات مثل هذه أو سمعت وقرأت روايات تسرد ما كان يتعرض له المعتقلون السياسيون طيلة العقود التي تلت الاستقلال، والمعارضون عموما طيلة تاريخ المغرب.

كل الحكايات تخلص، صراحة أو ضمنا، إلى ما انتهى إليه ابن دربنا المسكين، وما انتهت إليه الشهادات التي أوردها التقرير المثير للجدل حول ما تعرض له معتقلو الحسيمة، الذي تسرب من أروقة المجلس الوطني لحقوق الإنسان هذا الأسبوع. فجسد المعتقل “شيء” مستباح من طرف السجان.. يصبح ملكا للجلاد.. يصير مجرد شيء لا حرمة له، لأن الكائن الذي يملكه لا حرمة له. فهو مجرد عنصر في الجماعة، ولسلطتها وممثليها الحق في انتهاكه إن رأت أنه تجرأ وخرق “قوانينها” أو تجرأ على “هيبتها”.

وفي تقديري، فالجسد مرتبط ارتباطا وثيقا ببلوغ مرتبة الفرد.. إذاك فقط، تصبح له حرمة كاملة نابعة من حرمة صاحبه المتمتع بفردانيته. وما لم تبلغ جماعة ما مرحلة حيازة مكوناتها أو عناصرها لصفة الفرد الكامل في فردانيته، فانتهاكات الأجساد من طرف مختلف السلط ستظل قائمة: الأمن في حق الكائن، الزوج في حق الزوجة، الأب في حق الأولاد، الأستاذ في حق التلميذ، وحتى “لمعلم” في حق “لمتعلم”، وربة البيت في حق “الخدامة”…

صحيح أن النصوص القانونية (الفصل 22 من الدستور مثلا)، والمصادقة على مختلف المعاهدات التي تحظر التعذيب، وإنشاء المؤسسات (المجلس الوطني لحقوق الإنسان) والمنظمات الحقوقية، كلها خطوات مهمة للتصدي للتعذيب وتندرج فيما أسميه “البنية التحتية القانونية” للبلاد، ولكن فعاليتها ستظل في تقديري ضعيفة جدا في حماية الكائن المغربي من انتهاك حرمة جسده ما لم يتطور هذا الكائن ويرتقي إلى مرتبة الفرد.

إذا لم يتحقق هذا الهدف، فستواصل ذاكرتنا – ربما بوتيرة أقل- مراكمة مشاهد مثل مشهد تلك “السطافيت”، التي تهتز في ذلك اليوم البيضاوي غير البعيد…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرمة الجسد حرمة الجسد



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 21:12 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزيرة الإماراتي يفاوض الإسباني خوان كارلوس غاريدو

GMT 16:53 2015 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

زكرياء لحلو ينتهي من تصوير مسلسل "دار الضمانة"

GMT 06:51 2015 الثلاثاء ,12 أيار / مايو

فضيحة رشوة في مستشفى السرطان في الرباط

GMT 13:08 2017 الأحد ,03 أيلول / سبتمبر

سويسرا الاختيار المميز من أجل شهر عسل رائع

GMT 22:17 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هزة أرضية تثير الرعب بين سكان مدينة الناظور

GMT 13:31 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تشكيلة خواتم مرصعة بالأحجار الكريمة من دار BELENCIAGA
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya