مقدمات الصدمة السورية الرابعة

مقدمات الصدمة السورية الرابعة!

المغرب اليوم -

مقدمات الصدمة السورية الرابعة

بقلم - حسن البطل

ساعدتني الصديقة المزمنة، سلوى النعيمي، في التدقيق والتفريق بين اسمي الأخوين: صدقي إسماعيل، وأدهم إسماعيل. الأول كان أستاذي للاجتماعيات والفلسفة في مدرسة جول جمّال، والثاني فنّان تشكيلي. تقول سلوى إن للأول رواية «العصاة» هي قرأتها، وأنا لا.
الأخوان إسماعيل من لاجئي صدمة ثلاثينيات القرن المنصرم، وضمّ تركيا للواء الإسكندرون. بلغني أن صدقي، القومي العروبي، لم يحتمل مشاركة قوات قتالية سورية في تحرير الكويت، إلى جانب تحالف دولي ـ عربي تقوده أميركا. وقف على طاولة في مقهى الهافانا الدمشقي، واستعاد صيحة خطاب اليازجي: «أفيقوا واستفيقوا أيها العرب».. ثم جنّ، وفقد عقله تماماً. بعد أن استمع الشاعر شوقي بغدادي، مع مثقفين سوريين، لتبريرات وزير الدفاع مصطفى طلاس للمشاركة، قال: «سألزم بيتي إلى الأبد».
لا أعرف متى مات زكي الارسوزي، العروبي المسيحي وأحد اللاجئين من الإسكندرون، وأبرز مفكّري حزب البعث العربي هناك، قبل أن ينضم للحزب أكرم الحوراني، ويصير اسمه «حزب البعث العربي الاشتراكي»، وشعاره: «أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة»، بينما كان شعاره في مهده لواء الإسكندرون هو: «العرب أمة واحدة ذوو رسالة خالدة».
مساحة لواء الإسكندرون 4000كم2، ويعدّ أجمل مناطق سورية، والأهم أن عاصمة اللواء هي أنطاكية، وإلى الآن يُعرّف بطاركة كنيستها الأرثوذكسية عن منصبهم: «بطريرك أنطاكية وسائر المشرق».
صدمة إلحاق الإسكندرون بتركيا في ثلاثينيات القرن المنصرم، سبقتها صدمة أخرى في عشرينيات ذلك القرن، عندما أعلن الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، تأسيس لبنان الكبير، بضم أربعة ألوية سورية إليه إلى جبل لبنان الماروني ـ الدرزي، وهو جبل تكلّله الثلوج، ومنها اسمه القديم من لون الثلج الأبيض، أي اللبن والحليب.
في الأربعينيات تلقت سورية، بلاد الشام، صدمة نكبة فلسطين، (سورية الجنوبية) وإقامة إسرائيل، وتبعتها في ستينيات القرن صدمة احتلال إسرائيل للجولان.. والآن، مطلع العقد الثاني من الألفية الثانية تداعيات «الربيع العربي» في سورية، والتدخلات العربية والإقليمية والدولية فيها وعليها.
في الجغرافية والسياسة والشعر يقولون: «دمشق»، لكن السوريين يقولون «الشام» أي «الشمال»، كما اليمن هي «اليمين» أو رحلة عرب الجزيرة صيفاً وشتاءً الشام هي بداية إمبراطورية العرب مع الخليفة معاوية، وهي آخر إمبراطورية آل عثمان. حافظت سورية على اسمها السرياني، وحافظ شعبها على عروبته التاريخية، وتطلعه إلى الوحدة العربية، ومقاومته لـ»التتريك»، ومعارضته لانتزاع الإسكندرون ولبنان وفلسطين من بلاد الشام. كل ما فعله حزب البعث هو كتاب تعريف على جنسية حامل الهوية السورية: «عربي سوري»، رغم استيعاب سورية لهجرة أرمنية وشركسية من خارجها، ولجوء فلسطين من داخل بلاد الشام.
كان هناك خط باصات يحمل اسم «أكراد» وهو حيّ على سفوح جبل قاسيون، واستيقظ الناس في دمشق على ذات صباح من العام 1939 على تبديل اسم باصات الخط إلى «ركن الدين» ربما نحتاً من اسم «صلاح الدين الأيوبي».
العراق وسورية ولبنان بلاد فسيفساء طوائفية ـ دينية ـ قومية باستثناء فلسطين قبل النكبة، لكن المسيحيين العرب في الإسكندرون ولبنان وسورية هم آباء العروبة قومياً وثقافياً، وحتى موارنة جبل لبنان جاؤوا إليه من شمال سورية، وهذا يشمل فسيفساء سكان الجزيرة السورية النهرية شرق الفرات ودجلة، ذات الغالبية العربية والأقلية الكردية، سواء في القامشلي والرقّة والحسكة ودير الزور.. إلخ، التي كانت منطقة نفوذ لجماعة «داعش» وصارت منطقة نفوذ لتحالف عشائر كردية ـ عربية تسمى (قوات سورية الديمقراطية ـ «قسد») ولعبت دوراً في تحريرها من «داعش» بدعم أميركي، وخوف تركي من تواصل أكرادها مع أكراد تركيا، وتطلعات «كردستان الكبرى»، بعد «سورية الكبرى»، و»إسرائيل الكبرى».
كل اللاعبين المتدخلين في سورية يدّعون غيرة على سيادتها، والجميع يدّعي مقاومة «الإرهاب» ويدعمه في الوقت ذاته، أو يتلاعب في المعارضات المتعارضة السورية. البعض مع النظام والبعض الآخر ضد النظام، إن في السر والخفاء، وإن علانية. في النتيجة الماثلة صار ثلث الشعب السوري إمّا لاجئاً خارج بلاده، وإمّا نازحاً داخلها.
لبعض المتدخّلين قوات في سورية، أو حلفاء لهم فيها، لكن لتركيا أن تتدخل بجيش نظامي متحالف مع ما كان «الجيش السوري الحر» المنشق الذي صار اسمه «الجيش الوطني السوري»، وأن يكون هدف التدخل هو إقامة حزام بطول 450 وعرض 30كم، لإسكان لاجئين إليها سوريين عرب فيه، مع إقامة ثلاث كليات جامعية تركية؟
هذا غزو صريح من دولة مجاورة، وأهدافه احتلال أرض، بذريعة مقاومة إرهاب كردي بدعم من قوات سورية منشقة وإرهابية، وحماية تركية لمنظمات إرهابية إسلامية في محافظة إدلب.
سبّب الغزو التدخّلي التركي خلافاً تركياً مع أميركا، وخلافاً داخل حلف «الناتو». لكنه سبّب ضعضعة لتحالف مصلحي ثلاثي: إيراني، روسي، تركي، وقد يسبب الغزو والتدخّل التركي خلافاً داخل «قسد» بين الأكراد والعرب حول طبيعة علاقاتها المستقبلية مع النظام السوري، وطبيعة النظام الفدرالي السوري الأمر الذي تعارضه دمشق رسمياً.
زمن الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، ثم معاهدة «سايكس ـ بيكو» لم تكن بلاد الشام على هذا التعقيد، لكن قائد «قوات فرنسا الحرّة»، الجنرال ديغول، جاء إلى سورية ولبنان، وقت الاحتلال النازي لفرنسا، وقال: «جئت إلى الشرق المعقّد بأفكار بسيطة».
 دعم تركيا الأردوغانية لمنظمات الإرهاب في محافظة إدلب، ثم إقامة حزام تركي ضد الإرهاب الكردي، زاد من تعقيدات وضع بلاد كانت أول الإمبراطورية العربية، وآخر إمبراطورية آل عثمان.

حسن البطل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقدمات الصدمة السورية الرابعة مقدمات الصدمة السورية الرابعة



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 17:44 2018 الأحد ,16 أيلول / سبتمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا إعصار مانكوت إلى 54 قتيلا

GMT 06:22 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

"بوراكاي" غيمة صيفية تتلألأ على شواطئ الفلبين

GMT 07:54 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

مكمل غذائي جديد لعلاج المفاصل التي فقدت نشاطها في باريس

GMT 05:45 2016 الأربعاء ,20 إبريل / نيسان

امرأة تهزم فوبيا الطعام عن طريق لعبة كمال الأجسام

GMT 09:25 2019 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

«نيوم» توفر أول الفرص الاستثمارية في مشروعها

GMT 14:22 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

حفل فني لفرقة الموسيقى العربية على مسرح سيد درويش

GMT 01:12 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

مجمع البحوث الإسلامية يوضّح ماهو سيد الاستغفار

GMT 07:36 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

200 مليون دولار لدعم الزراعة العضوية في السعودية

GMT 05:55 2018 الإثنين ,16 تموز / يوليو

"ميتسوبيشي" تطرح "إكليبس كروس" المميزة

GMT 09:07 2018 الأحد ,06 أيار / مايو

حقائب وأحذية تتناسب مع رحلات الصيف

GMT 06:44 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

أفكار سهلة وبسيطة لخزانة الأحذية في المنزل

GMT 14:02 2018 الجمعة ,30 آذار/ مارس

فتح بحث قضائي مع حارس أمن في طنجة
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya