نظرة أخرى، اللوحة والصورة

نظرة أخرى، اللوحة والصورة

المغرب اليوم -

نظرة أخرى، اللوحة والصورة

بقلم - حسن البطل

 زتّ تيسير بركات حقيبته الجلدية إلى حافة الرصيف، ورمى إلى جانبها علّاقة مفاتيح ثم سألني: أهذه صورة فوتوغرافية أم لوحة فنية؟
استبدل بشار الحروب ألوان علمنا الأربعة، ومكان كل لون حشد فوارغ علب مشاريب، ولك أن تسأل نفسك: أهذه صورة فيسبوكية أم لوحة فنية؟
منذ بعض الوقت صرت أتسلّى وأملأ كادر «قصتي» على موبايلي بلقطات شتّى، فتتتالى إعجابات تفوق أحياناً ما تناله أعمدتي.
في نظرة عابرة لناس عابرين، تبدو سلال خشبية وضعتها البلدية على حواف أرصفة الشوارع مجرد أوعية تمتلئ بشتى أشكال وأنواع القمامة. في نظرة أخرى متملية قد أرى شكلها استعارة غير مكنية من شكل كأس مستديرة لزهرة اللوتس، سوى أن سلّة القمامة خشبية ومُضلّعة.
تمر على سلال القمامة في حفافي الشوارع، عربة يدفعها عامل يرتدي سويتر خفيف أصفر اللون، ويفرغ ما في السلال الملأى إلى عربته ذات البرميلين. إن كان إلى جانب سلال القمامة صندوق كبير من الكرتون، يقوم بتحميله إلى عربته الطافحة، بعد ثقب أسفله بقضيب مثبت بعربته من حديد التسليح الغليظ.
من حاويات السلال الصغيرة، إلى عربة كنّاس جمع القمامة، إلى حاوية كبيرة، تجمع خليط ما فيها وما يملأها بسيارات جمع القمامة إلى مكبّ كبير.
لستُ إلّا مصوّراً هاوياً لجماليات المباني القديمة في جوارها المتنافر مع تلك الحديثة.. لكن ماذا لو وجدت جمالاً معيناً في أشكال وألوان عربات عمال النظافة، واقترحت على هيئة تحرير جريدتي أن تملأ بها لقطات صفحة العدسة، ترى في أعمال الفنانين التشكيليين لوحات بألوان عدة، أضيفت إليها مواد مختلفة، ربما أرى ما يشبهها شكلاً من الألوان وحطام القمامة المختلف في عربات جمع القمامة.
البشاعة شكل مختلف للجمال، أو الجمال شكل آخر للبشاعة. ترى هذه المفارقة في لوحات الفنانين، كما تراها في «لوحات» عشوائية لعربات جمع القمامة، وصرت ترى الجمال والقبح معاً في لوحات فناني الشوارع العفويين منهم وحتى المحترفين، كحال رسّام الشوارع بانكسي.
للبعض الرومانسي أن يجد القبح والبشاعة في مجاورة بيت حجري قديم وواطئ بحديقته الفطرية، إلى جوار مبنى عالٍ من الألمونيوم والزجاج، وتوفر رام الله ـ التي تنمو على عجل ـ هذا التنافر في طرز البناء القديم والجديد.
كان مبنى «الأمباير ستيت» نموذج طراز «علب الكبريت» المعدنية الشاهقة، وحديثاً صارت للأبراج أشكال فنية تقارب كونها لوحة مخضوضرة كأنها حدائق معلّقة، أو تأخذ شكل آلة موسيقية كالغيتار مثلاً.
مع كاميرات التصوير الحديثة ضاقت فسحة التمييز بين لوحة الرسّام الشهير وصورة الكاميرا بلقطة بارعة من مصور محترف، خاصة في رسم أو تصوير «طبيعة صامتة»، من ضمة ورود وأزاهير. الرسّامون العظام الكلاسيكيون صاروا للمتاحف  ومزادات البيع باهظ السعر، وتجارة سوق المقتنيات الرائج.
صار الرسّامون الجدد يتلاعبون بصورة «الجيوكندا» و»العشاء الأخير»، وصار رسّامو الكاريكاتير يتلاعبون على هواهم بصورة الرسّامين الجدد.
أيضاً، لا علاقة للنحت الجديد بتمثال داود، ولا علاقة قرابة بين «برج بيزا» و»برج إيفل» سوى ربما في حجم عدد السوّاح، وإن بقي زائرو أهرام الجيزة أكثر من زائري الهرم الزجاجي أمام متحف اللوفر.
فن النحت، أخو فن لوحة الرسم، لكن لم يعد الحجر الصلب أو الرخام الصقيل واللامع مواضيع للنحاتين العظام، بل صارت رمال الشاطئ، وحتى الجليد موضوعاً للنحت.. حتى سخر رسّام كاريكاتير من النحت الحديث للحجر، الذي قد يشاكل حجراً في جلاميد الطبيعة أو وديانها.
بنت حضارات آفلة، خاصة منها الرومانية مدرّجات من حجر لتقديم مسرحيات الملاحم البشرية في الهواء الطلق والنور الطبيعي، وصارت المسرحيات المعاصرة تقدم على كراس مريحة وصالات مغلقة تستخدم ظلال كشافات النور، وهذا الفيديو لعرض مسرحيات وقضايا الحياة الواقعية.
عصر الحجر والفخار والآجر أسلمنا إلى عصر الحديد والألمونيوم والزجاج، وعصر رسم اللوحة القديمة صار يختلط بعصر الصورة، وهذه بعصر الفيديو، ثم عصر الفوتوشوب المركّب.
ماذا، أيضاً؟ عصر جمع القمامة لدفنها صار عصر إعادة تدوير مخلفات القمامة أو «الرسكلة».. وفي كل سنة توزع جوائز نوبل متنوعة المجالات، وربما في عام قريب، أو بعيد سينال عالم في الكيمياء جائزة نوبل، ليس في مجال التدوير و»الرسكلة» بل في مجال اختراع بلاستيك قابل للتحلل السريع، أو يستخدم لمرة واحدة.
اللوحة الفنية الفلسطينية تجاري وتسبح مع موجة الرسم الحديث، وبدرجة أقل من النحت الحديث والعمارة الحديثة، لكن صناعة التدوير عندنا لا تزال تحبو، أولاً في مجال جمع القمامة، ثم في تدوير مخلفات القمامة وإعادة استخدامها، ربما سوى في مجال تدوير بسيط لمخلفات صناديق الكرتون، وهي أبسط أشكال وأنواع التدوير.
ربما جدار الفصل الأمني ـ الديمغرافي ـ العنصري منح فناني الشارع المحليين، أو بالذات، الأجانب المتضامنين فرصة لمزج الجمال بالقبح، الفن بالسياسة، السياسة بالنضال ضد الاحتلال.

حسن البطل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرة أخرى، اللوحة والصورة نظرة أخرى، اللوحة والصورة



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 09:48 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

ماريوت الرياض يحصد جائزة أفضل فندق على مستوى السعودية

GMT 17:01 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية تضرب الحسيمة ليلا بقوة 3,2 درجة

GMT 10:50 2018 الأحد ,11 آذار/ مارس

محمود المليجي أنطوني كوين العرب

GMT 02:28 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

زين العبادي تتحدث عن فن "الفونغ شوي" وأهميته في المنزل

GMT 12:51 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

ماكياج كايلي جينر لعام 2017 يحدد هل كنتي شقية أم لطيفة

GMT 02:05 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفالات تعم زمبابوي بعد إعلان استقالة موغابي

GMT 22:47 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

حلم كأس العالم يعود يا إماراتيون

GMT 09:15 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

شابة تجدل شعرها بالمقلوب لتحصل على تسريحة شعر كالسنبلة

GMT 17:07 2017 الجمعة ,06 كانون الثاني / يناير

انخفاض متوقع لأسعار المنازل في كوريا الجنوبية عام 2017

GMT 17:16 2014 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

كلب من نوع "بيتبول" يهاجم باحث مكلف بالإحصاء

GMT 05:50 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

المطرب يوري مرقدي يكشف عن أسباب عودته إلى التمثيل

GMT 15:35 2015 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة بنتلي بينتايجا 2016 في المغرب

GMT 05:33 2017 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

نسخة من جيب رانجلر مقتبسة من سلسلة أفلام Star Wars
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya