رأس العين

رأس العين

المغرب اليوم -

رأس العين

حسن البطل
بقلم: حسن البطل

من سطوح بيوت القرية، تبدو «كومة علي» أعلى من «كومة حسن».. وفي رأس الجبل، تبدو «كومة خالد» أكثر الأكوام ضخامة.
.. وفي الدروب من القرية إلى الجبل، يختلف الأولاد على أي درب يسلكون: الصحراوي، حيث أشجار التين العسلي البعلي الأصفر، أو الزراعي، حيث نباتات «التوت البري» الأكثر احمراراً من خضاب الدم في العروق.. على حافات النهر الصغير.
«رأس العين» كان غاية الدروب الثلاث (دربان تبدآن من القرية، والدرب الثالثة تتفرع دربين).. وقبل وصول رأس العين يختلف الأولاد، هل السباحة أولاً أم صعود صهوة الجبل الصخري الأجرد.
أول عطلة الصيف المدرسية، يختلف أولاد الصف بين أكثرية ساحقة (أولاد القرية من الفلاحين) وأقلية (أولاد اللاجئين). الذين لا شغل لهم غير كرة القدم.. ودروب رأس العين.
أولاد القرية مجبرون على قضاء معظم عطلة الصيف في «الصيفي»، أي في مساعدة ذويهم على قطاف محاصيل الصيف من الخضراوات.
أولاد اللاجئين مجبرون، يوماً واحداً في الشهر، على مساعدة ذويهم في حمل أكياس «مؤن الأونروا» من مركز التوزيع إلى البيوت.
* * *
نعود من صعود الجبل الصخري الأجرد تماماً والسباحة وقد «عضنا الجوع بنابه».. فتختار أغلبية الأولاد أقصر الدروب، وأكثرها امتلاءً بكروم «العنب الدوماني» فائق الحلاوة، أو حقول الخيار والبندورة البلدية.
امتلأت صهوة الجبل بالأكوام الحجرية، ولا يجرؤ الأولاد على خرق «قانون شرف» بهدم كوم لبناء كوم أعلى.. أو، بالأحرى، يخافون مغبة أن يصير الكوم القديم أوكاراً للأفاعي والعقارب.
تعلمنا الحرص في تحريك الحجر من مكانه، والاحتراس في نقله من مكانه الأزلي إلى مكانه في الكوم.
تعلم البعض الجسور من الأولاد شيئاً آخر، وهو مغالبة خوف آخر ومعاكس من الأماكن المغلقة، الضيقة.. والمعتمة.
«رأس العين» أول النبع أول النهر، وكان هذا نبعاً غريباً حقاً، حيث تسيل المياه من فتحتين بينهما ثلاثة أمتار. فتحة ماء بارد، والثانية فتحة ماء فاتر.
ربما تصلدت جسومنا منذ الصغر بفعل الانتقال من عين إلى أخرى، وربما زادت جسارة نفوسنا من «الحبو» داخل «العين السخنة».. حتى يغلبنا حاجز التعب أو هاجس الخوف من الظلام.. من المكان الضيق.. أو من صيحة ذعر لولد «غر» في آخر النسق، أو من تأخر «بشارة» خروج أوراق التين من أولاد دخلوا سرداب النبع، أو من «نذير» أوراق الحور.. التي تعني أن هناك مشكلة.
صيحة ذعر واحدة، تكفي لخروج الولد المذعور من فريق الأولاد الشجعان إلى فريق الأولاد الجبناء. ماء سخن.. ماء بارد. مكان عالٍ.. مكان ضيق.
* * *
من «رأس العين»، من أقدام «سلسلة الجبال التدمرية» الصخرية والجرداء شمال «غوطة دمشق» بدأت حضارة تدمر زمن الرومان، بل من طريق دمشق - حمص بدأت.
على سفوح الجبال آثار قواعد مداميك جدار حجري روماني يلم ما يستطيع من ماء الأمطار، ويقودها إلى منتصف الطريق لمدينة تدمر، مستفيداً من ميول طبوغرافية ملائمة.
من على حافة طريق دمشق - حمص، يبدأ شريان ماء آخر، دائم الجريان، هو عبارة عن «قناة رومانية» مغطاة، أو أن القناة عبارة عن وصلات مستمرة بين آبار، مغلقة فتحاتها بإحكام.
في المدرسة الابتدائية كانوا يسمونها قناة الري التدمرية، وفي شوارع القرى يسمونها «السياق».. وكثيراً ما انخسفت الأرض بين بئر وأخرى، وكثيراً ما قاد الفضول بعض الأولاد إلى النزول أحياء من إحدى فتحات الآبار.. وخروجهم جثثاً من فتحات آبار أخرى.
* * *
بقي سر الأولاد سراً بينهم. لم يعرف الآباء أن أولادهم يمتحنون بعضهم بعضاً في جسارة التغلغل في سرداب ينبوعي «رأس العين».
«الأكوام» فوق صهوة الجبل ليست سراً ولادياً، بل موضع تفاخر الأولاد من سطوح بيوت القرية، أو تفاخرهم أمام آبائهم.
* * *
خمسة كيلومترات بين آخر بيوت القرية و»رأس العين» ذهاباً ومثلها إياباً، نقشت في الذاكرة تفاصيل الدروب الثلاث. تفاصيل وعورة الجبل. رائحة البندورة البلدية، أسماك النهر وسلطعوناته الذي ينبع من «رأس العين».. وبعض أنواع الأفاعي وألوانها، طولها.. أو نحافة جسمها، والفوارق بين العقرب السوداء، أو البنية، أو الشقراء.. بل وبعض كهوف الجبل، فإذا صادفنا كهف جبل في فتحته عظام حمار أو حصان «فاطس»، تغير مسار الصعود ومسار النزول.. خوفاً من ضبع جائع تركبه «نزوة» صيد نهارية.

 

قد يهمك ايضا
أخويات أخرى!
في يوم المعلم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رأس العين رأس العين



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 05:17 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

نبات "الكافا" أفضل تكملة لتحسين الحالة النفسية

GMT 19:13 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

جون سينا يرتدي ملابس نيكي بيلا ويقلدها بشكل غريب للغاية

GMT 00:44 2017 الخميس ,27 إبريل / نيسان

منة شلبي تتحدث عن دورها في مسلسل "واحة الغروب"

GMT 17:20 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكاف" يكشف موقفه من حركة عماد متعب المثيرة للجدل

GMT 02:37 2015 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

الأحمر لمسة جديدة تقتحم موضة ملابس الرجال لموسم شتاء 2016

GMT 06:52 2017 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

أسعار العملات العربية والأجنبية بالدينار الجزائري الأربعاء

GMT 10:32 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

عين الجمل وصفة سحرية للذكاء والجنس والحمية والسرطان

GMT 16:30 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

رئيس منظمة الزوايا يُهوِّن من خطر الشيعة في الجزائر

GMT 03:20 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

سيدة الصين الأولى تلتقي زوجة رئيس الوزراء البريطاني

GMT 18:53 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

إيناس النجار تحتفل بخطبتها على رجل الأعمال محمد محفوظ

GMT 03:24 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الفطر القضيبي يطلق محتوى مثير يشبه الهرمونات بمجرد الشم

GMT 01:23 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

إذاعة "ميكس ميغابول" تتعرض للقرصنة من قبل "داعش"

GMT 02:21 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عبير عبد الوهاب تُعلن سبب انضمامها إلى الإعلام

GMT 00:45 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة التغذية تُعطي نصائح للوقاية من أمراض الشتاء مسبقًا
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya