المفاوضات الليبية بناء الشرعية

المفاوضات الليبية: بناء الشرعية

المغرب اليوم -

المفاوضات الليبية بناء الشرعية

محمد الأشهب


قبل أن يتوصل الفرقاء الليبيون إلى صيغة وفاقية حول الحكومة المرتقبة، تحظى بشرعية سياسية، في نطاق دعم الفصائل المتناحرة، يتعين بناء شرعية النظام السياسي. فمن دون الارتكاز على هذه المرجعية، لن يكون في وسع أي سلطة تنفيذية أن تحقق الأمن والاستقرار. ودلت تجارب سابقة على أن حكومة بلا أذرع ديموقراطية وأمنية وعسكرية، لا تقدر على حماية نفسها، فبالأحرى معاودة بناء الثقة لدى الرأي العام.
الأصل في الحوار الليبي الذي يبدو رغم كل الخلافات وتباين وجهات النظر أفضل من استخدام السلاح والرهان على القوة، أنه يدور بين فريقين وأكثر، كل واحد منها يلوح بغصن الزيتون بيد ويرفع الكلاشنيكوف باليد الأخرى. وإذا كانت أي مفاوضات تتطلب امتلاك أوراق الضغط واستمالة الواقع على الأرض، فإن الشيء الثابت الذي لا يرغب أي طرف بالتفريط فيه هو مفهومه للتمثيلية الشعبية، أي البرلمان، باعتبار مصدر شرعية ما. وما لم يتم الاهتداء إلى حل لتجاوز هذه العقبة الكأداء، يصعب إحراز التقدم المطلوب.
فالحكومة وفاقية أو ائتلافية أو من صنف الكفاءات سيكون عليها رعاية فترة انتقالية، يفترض أن تتوج بتنظيم انتخابات وبناء مؤسسات، ولا يمكنها الاضطلاع بهذه المهمة في غضون استمرار تنازع الشرعية النيابية، لأن الأصل في المشكل أنه بدأ من تقسيم البلاد إلى حكومتين وبرلمانين، وما لا يعد من التنظيمات التي تتجاوز كل السلطات. والفرقاء المتفاوضون لم يكن لهم أن يجتمعوا لولا أن كل طرف يركن إلى ما يعتبره شرعية تبيح له التصرف.
في سوابق عدة حول نزاع الشرعية، ثبت أن التجزئة وتصدع الوحدة السياسة والوطنية يبدآن من «وهم الشرعية». ولم يكن لبلاد مثل اليمن أن تغوص في الأزمة التي حتمت بناء تحالف متين، دفاعاً عن الشرعية، لولا إقدام الخارجين عنها على العبث بمقومات المؤسسات. لكن الأخطر في الحالة اليمنية أن المسألة تتجاوز نطاق الصراع الداخلي إلى فتح منافذ التغلغل الخارجي، وفق نزعة مذهبية وطائفية. ولعل أكثر ما تخشاه بلدان الجوار الليبي والمجتمع الدولي أن تنزلق ليبيا أكثر نحو حافة الانهيار.
فالفراغ في السلطة أصبح في مقدم العوامل الجاذبة للتنظيمات الإرهابية، وقد تغلغل تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق واليمن حين تراجعت سلطة الدولة والقانون واطبقت الفوضى ومظاهر الفتن، ولا شيء في ظل التطورات المأساوية التي تعرفها ليبيا يحول دون استنساخ هذه المآسي.
المشكل أن الفرقاء المتصارعين يوجهون اللوم والقصف إلى بعضهم، كما في حالات عراقية ويمنية وسورية أيضاً، من دون الالتفاف إلى العدو المشترك الذي يستغل ذلك التطاحن. فهو يستند إلى تآكل المشهد السياسي واستمرار الاقتتال. وكان حريا بالفرقاء قبل نقاش الشرعية الانتباه إلى أن البلاد مهددة في أمنها ووجودها. وإن لم يكن العمل على حماية مقومات الوجود كفيلا بتقديم تنازلات متبادلة، فأي رهان يحظى بالأسبقية!
الاندماج في شرعية منقوصة أفضل على أي حال من هدم البناء في أساسه، وكما الإعلان الدستوري يبقى قابلا للتحيين والتجديد على مقاس الضرورات ، فالمؤسسات الاشتراعية بدورها يمكن أن تخضع لنفس القاعدة. فيما الحكومات تحرز أهميتها من الانبثاق من صناديق الاقتراع. وليس هناك ما يحول دون إقدام حكومة وحدة وطنية أو كفاءات على تعبيد الطريق أمام العودة إلى التطبيع واختيارات الناخبين، في غضون توفير شروط النزاهة والحياد وشطب أشكال الضغوط التي يمارسها حملة السلاح.
لكن الاندفاع وراء إلغاء بعض المظاهر القائمة لما يمكن وصفه بنصف شرعية، قد يفتح الباب واسعاً أمام الانحدار نحو مستنقع إلغاءات أخرى. وليس مصادفة ارتفاع أصوات تعرض إلى استبدال قيادات عسكرية، مع أن الأمر يمكن أن يتم في إطار صلاحيات رئاسية أو حكومية، حين يهدأ الصراع. فالمفاوضون الليبيون في منتجع الصخيرات أو الجزائر أو أي عاصمة أخرى، ليس مطلوباً منهم العودة إلى نقطة الصفر، وإنما الانطلاق من نقاط التلاقي لإذابة مجالات الخلافات. ويبقى أن مجرد تواصل حلقات النقاش برعاية الأمم المتحدة يشكل مصدر أمل، وإن كان خافتاً لن يسطع بريقه إلا عند الاتفاق على وقف الاقتتال، واعتبار الحل السياسي البديل الوحيد المشترك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المفاوضات الليبية بناء الشرعية المفاوضات الليبية بناء الشرعية



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 17:28 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الوضع مناسبٌ تماماً لإثبات حضورك ونفوذك

GMT 20:34 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

موعد انطلاق بطولة مجلس التعاون الخليجي للغولف في مسقط

GMT 01:14 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة تمنعك مِن النوم ليلًا عليك الابتعاد عنها

GMT 14:54 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

السجن أربع سنوات لطالب بسبب فيديو حول الملك

GMT 07:16 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العقوبات الأميركية تطال وزير الداخلية الكوبي

GMT 11:15 2019 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أولغا توكارشوك تفوز بجائزة نوبل في الآداب لعام 2018

GMT 19:09 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

أجمل أساور ذهب عريضة من مجموعات مجوهرات 2020
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya