صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

المغرب اليوم -

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

بقلم - عبد العالي حامي الدين

كتبت الصحافية خولة اجعيفري مقالا مثيرا تحت عنوان: “ونحن أيضا ضحايا بوعشرين إلى أن يثبت العكس”..
هذا المقال يسلط الضوء على جانب من جوانب تداعيات المحاكمة الرائجة في حق مدير نشر يومية “أخبار اليوم”، الصحافي توفيق بوعشرين، وهو المتعلق بحملة التشهير الممنهج، الذي تتعرض لها صحافيات يومية “أخبار اليوم” و”اليوم 24″، وتداعيات هذه الحملة على حياتهن المهنية والعائلية، لا لجرم ارتكبنه، ولكن فقط، لأنهن اخترن أن يمارسن عملهن الصحافي في إطار مؤسسة إعلامية اختارت نهجا تحريريا منحازا إلى قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وألزمت طاقمها الصحافي باحترام أخلاقيات المهنة.
ما لفت انتباهي في المقال المذكور، هو نوعية المعالجة الهادئة لموضوع “التشهير”، رغم بشاعة النماذج المستعرضة من التشهير والقذف والضغط والاستفزاز والتهديد، بلغت إلى حد توصل بعض أزواجهن برسائل هاتفية تهدد استقرار حياتهم الزوجية.
ومع ذلك، فإن تعاطي الصحافية لم ينزلق إلى الرد على التشهير بالمثل، رغم كشفها عن توفرها على معلومات تدين العديد ممن “تطوعوا” لممارسة هذه المهمة القذرة على شبكة التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع والصحف البعيدة عن مهنة الصحافة ونقل الخبر.
نعم، أسلوب التشهير لا يمكن الرد عليه بالمثل، وعلى الصحافة المهنية أن تحافظ على رصانتها وألا تسقط في مستنقع الرداءة، الذي يريد البعض أن يسقط فيه الجميع، لكن بالمقابل من يتحمل مسؤولية وقف هذا الانحدار الممنهج المتمثل في تناسل مواقع التشهير والقذف ضد الشخصيات الحقوقية والسياسية والأقلام المستقلة؟ ويزداد الأمر استفحالا حينما يتعلق الأمر بالقضايا الرائجة أمام المحاكم، مما يعتبر بمثابة تأثير مباشر على القضاء، وعلى السير العادي للعدالة كما حصل في قضية الصديق توفيق بوعشرين.
في بريطانيا هناك قانون يحمل اسم “قانون ازدراء المحاكم”، يتضمن مجموعة من المقتضيات القانونية التي تحمي نزاهة العمل القضائي من التأثيرات الخارجية، هذا القانون يمنع نشر جميع المواد التي تخل بالمحاكمة العادلة أو التي من شأنها التأثير على القضاة ودفعهم إلى الاقتناع بأن المتهم أو المشتبه فيه قد يكون مذنبا..
احتراما لهذا القانون تعمل المؤسسات الإعلامية، بشكل منتظم على تكوين نساء ورجال الصحافة، على ترسيخ مجموعة من القيم والأخلاقيات التي تهدف إلى احترام مؤسسة القضاء، وعدم التأثير على القضاة وهم يتأملون في القضايا الجارية داخل المحاكم، وتجنب أي اصطدام محتمل بين الصحافة والقضاء..
من أهم القيم التي يتلقاها الصحافي في هذه المؤسسات هي التحلي بالتجرد والحياد في التعاطي مع مهمة نقل الأخبار، وهو ما يعني أن الصحافي يلتزم بترك قناعاته الشخصية جانبا، ويلتزم بالحياد في نقل الخبر ويترك الحكم للجمهور، وليس من حق الصحافي أن يتقمص دور القاضي في إطلاق الأحكام، أو يتقمص دور النيابة العامة في توزيع الاتهامات..
هذه القيمة ترتكز، أساسا، على قيمة أخرى وهي الإحساس بالمسؤولية، هذا الإحساس لا يعني فقط، الخوف من العقوبات القانونية في حال الإخلال بقاعدة الحياد، ولكنه شعور بأن الصحافي يتحمل المسؤولية الأخلاقية تجاه المجتمع الذي ينقل إليه الأخبار، والتي تستبطن في دلالاتها العميقة تقدير الجمهور واحترام ذكائه، باعتباره قارئا متفحصا وليس موضوعا للدعاية والتوجيه.. هذا الإحساس بالمسؤولية هو الذي يفسر ثقافة الاعتذار وتصحيح الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الصحافي وهو ينقل الأخبار، وهو ما يحافظ على علاقة الثقة بين الصحافي والقارئ..
طبعا، نحن نتحدث عن مسؤولية الصحافي في ظل نظام ديمقراطي، هذه المسؤولية التي تطوقه بوظيفة تقديم المعلومات الصحيحة التي يحتاجها الجمهور إلى تحقيق مصالحه في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
وبالطبع، لا شيء يمكن أن يمنع تباين القراءات واختلاف التقديرات المرتبطة بالمصلحة العامة نفسها، لكن شروط وأخلاقيات المهنة، تفرض على الصحافي حدا أدنى لا يمكن التنازل عنه. بكلمة أخرى، إن صحافة الكذب والافتراء والتشهير والقذف والسب والاختلاق، هي من علامات الأنظمة السياسية والاجتماعية المتخلفة.. وإذا لم تقم الدولة بمسؤولياتها في متابعة الجرائم اليومية التي ترتكب في الوسائط، التي تنسب زورا إلى الصحافة، فهي توقع على مظهر من مظاهر تخلفها وعجزها..
ولم لا تواطئها أيضا؟!.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 05:17 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

نبات "الكافا" أفضل تكملة لتحسين الحالة النفسية

GMT 19:13 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

جون سينا يرتدي ملابس نيكي بيلا ويقلدها بشكل غريب للغاية

GMT 00:44 2017 الخميس ,27 إبريل / نيسان

منة شلبي تتحدث عن دورها في مسلسل "واحة الغروب"

GMT 17:20 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

"الكاف" يكشف موقفه من حركة عماد متعب المثيرة للجدل

GMT 02:37 2015 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

الأحمر لمسة جديدة تقتحم موضة ملابس الرجال لموسم شتاء 2016

GMT 06:52 2017 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

أسعار العملات العربية والأجنبية بالدينار الجزائري الأربعاء

GMT 10:32 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

عين الجمل وصفة سحرية للذكاء والجنس والحمية والسرطان

GMT 16:30 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

رئيس منظمة الزوايا يُهوِّن من خطر الشيعة في الجزائر

GMT 03:20 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

سيدة الصين الأولى تلتقي زوجة رئيس الوزراء البريطاني

GMT 18:53 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

إيناس النجار تحتفل بخطبتها على رجل الأعمال محمد محفوظ

GMT 03:24 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الفطر القضيبي يطلق محتوى مثير يشبه الهرمونات بمجرد الشم

GMT 01:23 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

إذاعة "ميكس ميغابول" تتعرض للقرصنة من قبل "داعش"

GMT 02:21 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عبير عبد الوهاب تُعلن سبب انضمامها إلى الإعلام

GMT 00:45 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة التغذية تُعطي نصائح للوقاية من أمراض الشتاء مسبقًا
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya