الغارة الأميركية على التاريخ بعنوان حمص

الغارة الأميركية على التاريخ.. بعنوان حمص!

المغرب اليوم -

الغارة الأميركية على التاريخ بعنوان حمص

بقلم : طلال سلمان

حتى من قبل أن يكمل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المائة يوم من تسلمه القيادة فى البيت الأبيض فإنه قد نجح فى أن يُتوج نفسه ملكا على الديار العربية، ممالك أساسا، وإمارات ومشيخات وبعض الجمهوريات، وإن على استحياء..

لقد أثبت أنه «البطل المرتجى» و«القائد الموعود»، ووضع نقطة النهاية لعهد الميوعة وافتقاد القرار والمبادرة فى مركز الكون، واشنطن، أيام الرئيس السابق الخلاسى والمتردد وكاره استخدام القوة، باراك أوباما.

بضربة واحدة، وفى لحظة غير متوقعة، وفى مكان بعيد داخل سوريا، كان يبدو محصنا بالوجود الروسى، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، والدعم الإيرانى المفتوح، خلق دونالد واقعا جديدا فى أكثر المناطق خطورة وحساسية فى العالم، أعاد معه واشنطن إلى موقعها: مركز القرار الكونى..

وبهذه الضربة المفاجئة والموفقة حقق دونالد ترامب مجموعة من الأهداف دفعة واحدة:

• فهو قد أثبت أولا أنه رجل قرار وليس منظرا يستفيق مع الفجر ليملأ أفق خصومه من أهل السياسة والمال والصحافة بتغريداته التى تريحه وتقلقهم وتجعلهم يتيهون فى محاولة تفسير مقاصده..

• ثم إنه قد أسقط كل اللغط ومحاولات التشكيك بطبيعة علاقته بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونسبة بعض الفضل إليه فى الفوز الساحق الذى حققه ترامب فى الانتخابات الرئاسية ملحقا الهزيمة الساحقة بالمرشحة المستكبرة هيلارى كلينتون التى كانت الاستطلاعات تؤكد فوزها، معززة بالتأييد الخارجى الذى كان يخاف منه باعتباره «خارج السيطرة».

• كذلك فهو قد طمأن أصدقاءه العرب، الذين توافدوا عليه مهنئين وفرحين، بأن زمن التردد الأمريكى والامتناع عن المواجهة قد انتهى، وأنهم يستطيعون الاعتماد على قائد شجاع وصاحب قرار.

• الأخطر والأهم أنه طمأن «الأصدقاء فى إسرائيل» إلى أن واشنطن القادرة والحاضرة والمبادرة لن تغفل عن أى تصرف أو إجراء قد تتخذه دمشق (أو طهران)، أو حتى موسكو، يمكن أن يشكل خطرا ولو محتملا على أمن إسرائيل وسلامتها..

***
وها قد أثبت أنه سريع المبادرة، حاسم القرار، لا يتهيب ولا يغرق فى موازنة الاحتمالات والمخاطر، بل إنه إذا قال فعل.. وبأسرع من الصوت. يمكن القول، إذن، إن «أهل النظام العربى» قد استعادوا «حاضنتهم الدولية»، وأنها سريعة المبادرة، لا تتردد، ولا تتوه عن قرارها عبر حسابات معقدة، بل أن القرار جاهز والصواريخ لا تخطئ الأهداف.

على هذا فقد اندفع العروب ملوكا وامراء ومشايخ يهللون لهذا القرار الشجاع، ولم يتوقفوا لحظة واحدة بالإشفاق أو بالندم أمام حقيقة أن أهداف الضربة الجوية الأمريكية عربية، ها هو«بطلهم» قد عاد إلى الساحة منتزعا المبادرة، منهيا عصر التردد الأخلاقى وعصر التفكير المتأنى بالعواقب والنتائج..

ولا يهم أن تكون سوريا، بتاريخها المضىء ودورها القومى العريق هى الهدف، ولا يهم أن يكون جيشها الذى قاتل العدو الإسرائيلى كما لم يقاتله أى جيش عربى، فيما عدا جيش مصر، هو المقصود بالضربة، وأن تكون حمص التى تحتضن التاريخ المضىء لخالد بن الوليد هى الشاهد على الجريمة الأمريكية التى استهدفت الجيش السورى..

كذلك لا يهم أن تكون الغارة الأمريكية قد جرت وسط مسلسل من الزيارات الملكية والرئاسية العربية إلى البيت الأبيض فى واشنطن، فرئيس مصر، المشير عبدالفتاح السيسى بالكاد قد أنهى زيارته الرسمية، كما أن الملك الأردنى كان فى طريق العودة إلى عاصمته فى عمان.. وثمة مسئولون عرب كثر فى الطريق.

بل لا بد من التنويه بالشجاعة الاستثنائية للرئيس الأمريكى الفريد فى بابه، دونالد ترامب، التى جعلته لا يتردد فى اتخاذ القرار الجرىء مباشرة بعيد وصول الرئيس الصينى فى أول زيارة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية مع معرفته بالعلاقة الخاصة التى تربط بين بكين ودمشق.

إن هذه الأسباب مجتمعة تشهد للرئيس الأمريكى بأنه مقدام لا يتهيب اتخاذ القرار الصعب، واثقا ليس فقط من قدرات بلاده بل كذلك من اتساع التأييد العربى والإسرائيلى والدولى لقراره الشجاع..

وبين أخطر النتائج لهذا القرار الجرىء تلاقى العرب والإسرائيليين على تأييده، متجاوزين أسطورة «العداء التاريخى» متقدمين نحو «مستقبل السلام» فى ظل التفاهم الدولى الشامل والذى تحقق ــ لأول مرة ــ بين واشنطن وموسكو، لقد تغير العالم. سقطت خرائط الحرب وجاء زمن السلام!

لقد سقط المعسكر الاشتراكى، منذ ربع قرن أو يزيد، وانتهى الاتحاد السوفياتى وعقيدته الشيوعية، صار العالم كله فى أحضان الرأسمالية.. انقضى زمن العداء بين واشنطن وموسكو، وبين الشرق والغرب، فلماذا لا ينتهى الصراع المزمن بين العرب وإسرائيل، بل ــ بالأحرى ــ بين الفلسطينيين وإسرائيل، وبصيغة أدق: بين قسم من الفلسطينيين (ومعهم قسم من العرب..) وإسرائيل.. فلماذا لا يتقدم العالم نحو السلام؟!
***
ها هم العرب، برؤسائهم والملوك والأمراء والشيوخ، يرحبون بالضربة الأمريكية للقاعدة العسكرية السورية بالقرب من حمص: لا يهم أن يكون قد انطلقت منها الصواريخ بالكيماوى نحو كفر شيخون فى محافظة إدلب.. المهم أن العالم يصدق واشنطن وإدارتها المبجلة، التى تمسك بمفاتيح الحرب والسلم فى الكون، أكثر مما يصدق سوريا المستباحة أرضا وفضاء.. فالقوى صادق وإن كذب، والضعيف يمكن تكذيبه ولو كان كلاما صدقا خالصا.

ثم إن العرب هم الآن جميعا فى واشنطن، أو فى الطريق إليها، أو فى طريق العودة منها.. فواشنطن هى مرجعيتهم المطلقة، تقريبا، تماما كما هى مرجعية اسرائيل، فلماذا لا يجلس الطرفان إلى بعضهما بعضا فينهيان عصر العداء والخصومة ويباشران عصر السلام جلاب التقدم والازدهار فى أحضان «الأخوة» السابقة على تاريخ الصراع؟!

بالمقابل فإن عرب النفط يملكون أموالا طائلة لا يعرفون كيف يوظفونها فيفيدون منها فى تقدمهم... واليهود هم أخبر أهل الأرض، تاريخيا، فى توظيف الأموال واستثمار الثروات.. فلماذا لا يتعاون عرب النفط واليهود، داخل إسرائيل وخارجها، فى استثمار فائض الأموال العربية لما فيه التقدم نحو مستقبل أفضل فى ظل السلام؟!

إنه عصر جديد، يمكن أن يتلاقى فيه الجميع: ها هى واشنطن ترامب تغازل موسكو بوتين، غير عابئة باتهام الكرملين بالتدخل فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية... بل ها هى بكين فى واشنطن، يحاول رئيسها «الشيوعى» توثيق العلاقات الاقتصادية مع عاصمة الرأسمالية الكونية، واشنطن، لما فيه مصلحة البلدين الكبيرين.. متجاهلا توقيت الضربة الأمريكية لسوريا مع وصوله إلى فيلادلفيا؟
لماذا التعصب والانغلاق إذن؟ لماذا العيش فى ماضى العداء والحروب؟!

أليس اليهود والعرب أبناء عمومة؟! أليسوا جميعهم ساميين؟ ألم تكن بينهم علاقات تاريخية وثيقة؟ ألم يكن اليهود شركاء مصير مع العرب عبر تاريخهم الطويل؟ ألم يكونوا كتبتهم ومترجميهم والمحاسبين والمغنين فى مجالس أنسهم فى الأندلس؟
***
إن الغارة الأمريكية على المطار العسكرى السورى فى الشعيرات، قرب حمص، يمكن أن تفتح الباب لعصر جديد..

إن رئاسة دونالد ترامب بداية تاريخ للإنسانية، بلا حروب: يمكن أن يكون الآن عرب أمريكا وعرب روسيا وعرب اسرائيل جميعهم معا، بلا فوارق أو حواجز أو حدود. لقد سقطت الشيوعية، وسقطت القومية، فلماذا لا يسقط حاجز العداء بين العرب والإسرائيليين وقد كانوا حلفاء وشركاء عبر التاريخ.. بل إنهم فى بعض مراحله كانوا إخوة أشقاء؟

إنها غارة على تاريخ الصراع والعداء بين الشعوب.. من هنا فإن إسرائيل شريكة فيها، بالتخطيط والتحريض إن لم يكن بالتنفيذ..

وهذا إنجاز تاريخى جديد للرئيس الأمريكى الذى يختلف عن كل سابقيه من سكان البيت الأبيض فى واشنطن، كما عن سائر الذين سيأتون بعده ليعتمدوا نهجه الشجاع وأسلوبه الفريد فى مباغتة الخصوم والأصدقاء معا.

إنكم تعيشون فى عصر ترامب.. إنها بداية جديدة للتاريخ الإنسانى الذى يكاد يشطب العرب من سجلاته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغارة الأميركية على التاريخ بعنوان حمص الغارة الأميركية على التاريخ بعنوان حمص



GMT 09:30 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

كيف الخلاص من .. الشيكل ؟

GMT 03:30 2017 الإثنين ,10 تموز / يوليو

عن العرب المحاصرين بحرب النفط والغاز

GMT 05:25 2017 الخميس ,08 حزيران / يونيو

هكذا ولدت

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 21:52 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

إخماد حريق شب بإحدى العمارات في الناظور

GMT 12:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

حارس نادي ميلان غابرييل فيريرا يحاول فسخ تعاقده

GMT 04:08 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

ابنة ترامب تظهر برفقة رجل غريب في طريقها إلى مارالاجو

GMT 09:18 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الأمن يحقق في سقوط بنّاء من عمارة في مدينة مراكش

GMT 14:21 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"NADA G" تقدم مجموعة مجوهرات فريدة من نوعها

GMT 17:55 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

قافلة طبية من الدار البيضاء تزور مداغ ضواحي بركان

GMT 06:42 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تونسية تروي تفاصيل زواجها مِن مسيحي ذي أصول أفريقية

GMT 00:43 2016 الجمعة ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إكرام بوعبيد تكشف أن "المجتمع الذكوري" رفض تقبل "الرئيسة"

GMT 18:55 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

"باربي كافيه" يجمع بين المتعة والطعام الصحي في تايوان

GMT 08:12 2017 الأربعاء ,28 حزيران / يونيو

بناء هيكل خيمة يشبه مستشفى تشيلسي الملكي في لندن

GMT 00:02 2017 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

لقجع يعول على دعم تونسي لهزم راوراوة

GMT 06:34 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

30 ألف طالب "كونغ فو" يلعبون في مهرجان صيني

GMT 22:15 2017 الأربعاء ,16 آب / أغسطس

وزانيون متخوفون على سلامتهم من كلاب الشوارع
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya