هل تودع تركيا الحقبة «الأردوغانية» في تاريخها الحديث

هل تودع تركيا الحقبة «الأردوغانية» في تاريخها الحديث؟

المغرب اليوم -

هل تودع تركيا الحقبة «الأردوغانية» في تاريخها الحديث

بقلم : عريب الرنتاوي


الانقسام العامودي الذي يضرب حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وحرب الاتهامات المتبادلة بين «الآباء المؤسسين» للحزب، تنذر ببلوغ «الأردوغانية» ذروتها، ودخولها في مرحلة التراجع والتآكل ... التحدي الذي يواجه أردوغان وحزبه هذه المرة، من الداخل، ومن رجالات يصعب الطعن بـ»وطنيتهم» و»دورهم المؤسسة» لتجربة «العدالة» ... هؤلاء يصعب احتسابهم على «جماعة غولن» أو «التنظيم الموازي»، والمؤكد أنهم ليسوا من أتباع عبد الله أوجلان و»الإرهاب الكردي»، فضلاً عن صعوبة نعتهم بـ»العلمانيين المتوحشين»، أو «العلويين الكارهين لأهل السنة والجماعة»، مثلما حصل مع قادة حزب الشعب الجمهوري... هؤلاء باتوا خارج الحزب، أو هم في طريقهم إلى ذلك، بالطرد أو الاستقالة أو الانشقاق.
إن كان أحمد داود أوغلو، صاحب «العمق الاستراتيجي» قد حمل بجدارة لقب «مهندس السياسة الخارجية» التركية، الذي يواجه اليوم «محكمة حزبية» ... فإن علي باباجان، قد حمل بجدارة أيضاً لقب «مهندس المعجزة الاقتصادية» التركية، والرجل له باع طويل في السياستين الداخلية والخارجية لتركيا زمن «العدالة» ... أما الضلع الثالث في «مثلث التمرد»، فهو رفيق درب أردوغان، رئيس تركيا ورئيس حكومتها ووزير خارجيتها، وهو الرجل الذي حافظ على احترام مؤيدي الحزب وخصومه سواء بسواء، لمقارباته الهادئة وشخصيته المحترمة ولسانه العفيف وغيرته الوطنية التي تتخطى الحزب إلى الدولة.
هؤلاء الزعماء الثلاثة، تعاقبوا على أرفع المناصب القيادية في الحزب والدولة خلال العقدين الفائتين ... أنشطهم في مهاجمة أردوغان وتحديه علناً، هو أحمد داود أوغلو، الذي هدد بكشف أسرار المرحلة «الأخطر والأصعب» في تاريخ تركيا، محذراً من وجوها كثيرة «ستسوّد» إن هو باح بما في جعبته من أسرار، سيما بخصوص العلاقة مع داعش والمسألتين الكردية والسورية ... أما الأنشط من بين القادة الثلاثة في المسعى لتشكيل حزب منافس، والأكثر حظاً في النجاح بمهمته فهو علي باباجان، وليس مستبعداً أن يجتمع القادة الثلاثة، ومن خلفهم رهط من نواب الحزب وقادته وكوادره، في إطار حزب واحد، قيل أنه سيحمل اسم «حزب الحياة والتنمية»، وربما حزبين اثنين، إن تعثر التوافق بينهم.
بمعنى، أن الحزب الذي استأثر في السلطة منذ العام 2002، وفاز بجميع الانتخابات والاستفتاءات بجدارة، بدأ منذ العام 2015 رحلة تراجعه وهبوطه ... في تلك الانتخابات (حزيران 2015)، خسر أغلبية المطلقة التي تمكنه منفرداً من تشكيل حكومة جديدة، خاض حرباً ضد أكراد بلاده لشد «العصب القومي» لأتراكها، وكان له ما أراد في انتخابات الإعادة (تشرين ثاني 2015)، إلى أن وصلنا إلى آخر انتخابات محلية، حيث خسر الحزب مدن تركيا الكبرى، وتحدت أكبرها (إسطنبول) أردوغان في جولتي انتخاب وإعادة، لتبدأ الشروخ بالاتساع في أوساط الحزب، ويبدأ قادته ومؤسسوه بالقفز من سفينته الجانحة.
هنا، نفتح قوسين لنؤكد حقيقتين اثنتين: الأولى؛ أن تركيا ليست استثناءً في تجارب الديمقراطية العريقة والناشئة ... يصعب أن يستمر حزبٌ في السلطة لعقدين من دون أن يفقد ثقة شرائح متزايدة من المواطنين ... الأتراك يريدون وجوهاً جديدة، وأحزاباً جديدة، وخطاباً جديداً ... لقد ملّوا خطابات زعيمهم، وباتت أعداد المتابعين لها على شاشة التلفزة تتناقص باطّراد وفقاً لما تقول الصحف التركية ... التغيير «سنّة الحياة الديمقراطية»، ووحدها الدول الشمولية ودول الحزب الواحد والديمقراطيات الشكلية الزائفة، هي من تجيز «التمديد والتوريث والتجديد» و»تنظّر» له، وتقبله من دون قيد أو شرط، ودائماً بحجج ومبررات زائفة وغبيّة.
أما الحقيقة الثانية، فهي أن صعود تركيا الحديثة تزامن مع صعود حزب العدالة والتنمية، وللحزب وقائده الفضل الأكبر في قيادة هذه التجربة، وبه وباسمه ارتبطت نهضة تركيا اليوم، خصوصاً في سنوات صعوده العشر الأولى، وقبل أن يتعثر بالأزمة السورية و»الربيع العربي» وأن يركن إلى بقائه المستدام في السلطة ... لكن هبوط الحزب وزعامته، لا يعني أبداً، ولا بالضرورة، هبوط تركيا أو انهيار تجربتها الديمقراطية الناشئة ... تركيا أكبر من الحزب والزعيم، أياً كان هذا الحزب وأياً كان هذا الزعيم ... بريطانيا وفرنسا أسقطتا أبطال الحرب العالمية الثانية: ديغول وتشرتشل، وأردوغان ليس استثناء لهذه القاعدة ... ثمة الكثير من التحليلات العربية التي تستبطن خلطاً منهجياً بين الأمرين، غير مقبول وغير مفهوم، وثمة قدر من «الشماتة» بتجربة أردوغان، يصدر عن خصومات سياسية ويندرج في سياق لعبة المحاور المتنافسة والمعسكرات المتصارعة، تلكم التحليلات، أبعد ما تكون عن «الموضوعية» و»النزاهة».
تركيا بحاجة للتغيير، والتغيير يطرق أبوابها بقوة اليوم، بدءاً بالحزب الذي حمل لواءها لعقدين من الزمان ... والمؤكد أن رياح التغيير لن تزمجر في الداخل التركي فقط، بل ستمتد تأثيراتها إلى سياسة أنقرة الخارجية، وتحديداً مواقفها من جماعة الإسلام السياسي والمسلح، والأزمة السورية، وربما المسألة الكردية في الداخل والخارج، إلى جانب عناوين ومساحات أخرى في السياسات والتحالفات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تودع تركيا الحقبة «الأردوغانية» في تاريخها الحديث هل تودع تركيا الحقبة «الأردوغانية» في تاريخها الحديث



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 01:26 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الرئيس ترامب يصف كيم جونغ أون بـ"رجل الصواريخ"

GMT 00:59 2016 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

كاظم الساهر يشارك جمهوره كلمات أغنية "تناقضات" عبر "فيس بوك"

GMT 06:56 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

فوز فتاة من بيلاروس بلقب ملكة جمال العالم على كرسي متحرك

GMT 10:44 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

وفاة رئيس أركان الجيش الجزائري قايد صالح وتعيين بديل عنه

GMT 04:36 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

مشادة لفظية بين طاليس وفدوى الطالبي على "التواصل الاجتماعي"

GMT 14:16 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

تييري هنري يسعى إلى ضم سيسك فابريغاس إلى موناكو

GMT 11:59 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف الخمايسي يهدي "جو العظيم" إلى أحمد خالد توفيق

GMT 06:21 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على أبرز وأجمل عطور لاستقبال فصل الشتاء

GMT 11:52 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

فولكس فاجن تتعاون مع "مايكروسوفت" للعمل على تقنيات رقمية

GMT 05:33 2018 الثلاثاء ,21 آب / أغسطس

العثور على "خنفساء - ملقحة" عمرها 99 مليون عام

GMT 10:05 2018 الأحد ,05 آب / أغسطس

10 نصائح لحماية محرك سيارتك وزيادة عمره

GMT 04:49 2018 الجمعة ,13 تموز / يوليو

أحزمة فساتين الزفاف موضة دارجة لصيف 2018

GMT 19:47 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

اهتمامات الصحف الباكستانية الصادرة الاثنين
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya