يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

المغرب اليوم -

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه

سجعان قزي
بقلم - سجعان قزي

حين تقرأُ إسرائيلُ توصياتِ القِمّةِ العربيّة في تونس، أعْجَبُ أنها اكتفَت بالجولان ولم تَضمّ بقيّةَ العالم العربي. فكما لا يموتُ حقٌّ وراءَه مُطاِلبٌ، يَموت حقٌّ لا مقاوِمَ وراءَه. إنَّ ردّةَ فعلِ العربِ على ضَمِّ إسرائيلَ الجولان وعلى تَصديقِ أميركا عليه، تُشجِّعُ على مواصلةِ انتهاكِ الحقِّ العربيِّ بوجْهَيهِ الإسلاميِّ والمسيحيِّ.

يبدو أنَّ العربَ، وقد أَخذوا عِلمًا باعترافِ السلطةِ الفِلسطينيّةِ بدولةِ إسرائيل في مؤتمرِ مدريد (تشرين الثاني 1990) وفي اتفاقِ أوسلو (أيلول 1993)، باتوا يَعتبرون أنفسَهم في حِلٍّ من القضيّةِ الفِلسطينيّة. كأنَّ جامِعَ الأقصى في جُزر القُمُر، وكنيسةَ القيامةِ وبيتَ لحم وبيتَ سَحور والناصرةَ والجليلَ وبئرَ يعقوب في جُزرِ المالديڤ، ومدينةَ أورشليم في جُزرِ البَليار. إذا كانت دولةُ فِلسطين للفِلسطينيّين، فمُقدّساتُها لنا جميعًا ولا يَحِقُّ لأحدٍ التنازلُ عنها وتسليمُها لإسرائيل.

أدركَ الرئيسُ الأميركيُّ، ترامب، حدودَ الموقِفِ العربيِّ، فوافَق في 24 آذار 2019 على أن تَضُمَّ إسرائيلُ الجولان، كما سَبَق له أنْ وافَق على: بناءِ المستوطَناتِ في الضِفّةِ الغربيّة، الاعترافِ بأورشليم عاصمةً مُوحَّدةً لإسرائيل، التخلّي عن مشروعِ حلِّ الدولتين، وعن عودةِ اللاجئين الفِلسطينيّين. 

الأخطرُ في اعترافِ ترامب بالجولان لإسرائيلَ أنْ أعادَ مفهومَ الحدودِ الدوليّة إلى منطِقِ القوّةِ العسكريّةِ وأَطاحَ منطقَ الحقِّ الدوليّ. أي إلى ما قبلَ إنشاءِ "عُصبةِ الأممِ" (10 كانون الثاني 1920) ومنظّمةِ الأممِ المتّحدةِ (24 تشرين الأول 1945) اللتَين حَسمتا شرعيّةَ الحدودِ الدوليّة من خلالِ معاهداتٍ وقوانينَ تَضمَّنتها دساتيرُ الأمم. بعدَ سنةِ 1945، ما عدا نشوءِ دولةِ إسرائيل (14 أيّار 1948) وحروبِها اللاحقةِ، قلّما حَصلت عمليّاتُ ضَمٍّ دائمٍ لأراضٍ بالقوّة. لكن، قامت حركاتٌ انفصاليّةٌ نتيجةَ رغبةِ شعوبٍ بتقريرِ مصيرِها (إريتريا، جَنوبُ السودان، تيمورُ الشرقية، بنغلاديش، كشمير، قبرص التركيّة، تَفكُّك الاتحادِ السوفياتيّ، بلادُ البلقان، وكُردستان، إلخ...).

لم يَنقُض الرئيسُ ترامب في موضوعِ الجولان القوانينَ الدوليّةَ فقط، بل غالِبيّةَ مرتكزاتِ سياسةِ الولاياتِ المتّحدةِ الأميركيّةِ منذ مئةِ سنةٍ تقريبًا. حين صوّت "الكِنيْسِت" الإسرائيليُّ في 14 كانون الأول 1981 على مشروع ضمّ الجولان نهائيًّا، استنكرَه الرئيسُ الأميركيُّ آنذاك دونالد ريغن رغمَ صداقتِه القويّةِ لإسرائيل، وبادر إلى تعليقِ العملِ بمعاهدةِ التعاون الاستراتيجيِّ بين البلدين. وسارعت الأممُ المتّحدةُ إلى إصدارِ القرارِ رقم 497 الذي يؤكّد رفضَها الجازمَ قرارَ إسرائيل.

وإذا تعمَّقنا قليلًا بقرارِ ترامب، نَكتشِف أنّه أضرَّ بإسرائيل في ناحيةٍ جوهريّة. فبغضِّ النظرِ عن معاداتِنا إياها، انتزَعت إسرائيلُ سابقًا اعترافًا دوليًّا بكِيانِها من دون الجولان. أما وقد ضَمَّته بموافقةٍ أميركيّةٍ وبرفضٍ أُمميٍّ، فأصبح كيانُها الجديدُ خارجَ الشرعيّةِ الدوليّة ويحتاجُ إعادةَ اعتراف. وفي هذا السياق، لا أدري إلى أيِّ مدى دونالد ترامب هو حليفٌ مفيدٌ وإيجابيٌّ؟ هل نوعيّةُ الدعمِ المفتوحِ الذي يُقدِّمه لإسرائيل يؤمِّنُ لها السلامَ أم يُؤسِّسُ لثوراتٍ وفِتنٍ وانتفاضاتٍ وحروب جديدةٍ في الشرق الأوسط؟ وهل أنَّ هذا السلوكَ الـــ"ترامبي" سيقوّي دورَ أميركا عالميًّا ويُعزّزُ السلامَ العالمي؟ 

مع قراراتِ ترامب صار بمقدورِ كلِّ دولةٍ قويّةٍ عسكريًّا أن تحتلَّ أرضَ دولةٍ أخرى وتَأمُل الحصولَ لاحقًا على اعترافٍ ما. هكذا، فَقدَت أميركا مبرِّرَ محاسبةِ فلاديمير بوتين على انتزاعِ شبهِ جزيرةِ القِرم من أوكرانيا وضَمِّها إلى روسيا (18 آذار 2014)، علمًا أنَّ شعبَ القِرم صوَّتَ على الالتحاقِ بروسيا خِلافًا لأهالي الجولان الّذين فضّلوا مبدئيًّا البقاءَ تابعين لسوريا. لكن الإشكاليّةَ أنَّ قراراتِ ترامب تتَّسمُ بصفةِ الإبرامِ مبدئيًّا، إذ لم يَسبِقْ أن عادت إدارةٌ أميركيّةٌ عن أيِّ قرارٍ اتّخذته إدارةٌ أميركيّةٌ سابقةٌ "لمصلحةِ" إسرائيل. وهذا يَعني أنَّ سوريا، مع خسارةِ الجولان، فَقدت نهائيًّا الأملَ بإقامةِ توازنٍ استراتيجيٍّ جغرافيٍّ مع إسرائيل وبإمكانيةِ خوضِ حربٍ تقليديّةٍ ضِدّها.

سياسةُ أميركا وإسرائيل لا تُعفي النظامَ السوريَّ من مسؤوليّاتِه المباشَرةِ عن ضياعِ الجولان. فمنذ خَسِرت سوريا الجولان من دونٍ حربٍ في حربِ 1967، ساد السلامُ بين سوريا وإسرائيل من دون اتفاقِ سلامٍ حتى حربِ 1973 التي جَدَّدت احتلالَ إسرائيل الجولانَ، وحوّلت سلامَ الأمرِ الواقع سلامًا شرعيًّا من خلالِ اتفاقِ فكِّ الارتباطِ (31 أيار 1974)، فكان عمليًّا فكَّ ارتباطِ سوريا بالجولان. ولما لاحت فرصةُ استعادةِ الجولان في سياقِ مؤتمرِ مدريد (1990) وبعد حربِ العراق الأولى (1991)، راح الرئيسُ حافظ الأسد يَضعُ على اسحق رابين شروطًا يَعرِفُ سلفًا استحالةَ قَبولها (خطُّ الرابعِ من حزيران 1967) فطارت الفرصةُ: اغتيلَ رابين سنةَ 1995، رَبِح الأسدُ نظامَه وأوْرثَه نجلَه بشّار، وظلَّ الجولانُ إسرائيليًّا يَنعم بالسلامِ طوالَ الحربِ السوريّة (2011/2019).

إن الرئيسَ الأسد مَدعوٌ لإثباتِ أنَّ ضمَّ الجولان ليس ثمنَ بقاءِ نظامِه في إطارِ "صفقةِ القرن" الشرقِ أوسطيّة من جِهة، والتسويةِ السياسيّةِ للحربِ السوريّةِ من جهة أخرى. وذلك يكون من خلالِ إجراءِ مفاوضاتٍ سلميّةٍ مع إسرائيل بهدفِ استعادةِ الجولان (يُخرِجُها أو يُحرِجُها)، أو من خلالِ فتحِ جَبهة الجولانِ أمامَ المقاومة. أما إذا اكتفى النظامُ السوريُّ بالاستنكارِ، وبفتحِ جَبهات أخرى كعادتِه (غَزّة والجَنوب اللبناني)، وبانتظارِ القدَر ـــ والقدَرُ جُزءٌ من عِلم الفَلَك ـــ فلا يلومَنَّ الناسَ إذا قالوا: إنَّ ضمَّ الجولان ليس غنيمةً عسكريّةً بل هديّةٌ جغرافيّة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه يَموت حقٌّ لا مقاومَ وراءَه



GMT 12:34 2019 الجمعة ,19 تموز / يوليو

يحدث عندنا.. ذوق أم ذائقة

GMT 17:37 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 13:49 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 23:51 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الراقي يتسبب في فسخ عقد طبيب الرجاء

GMT 22:02 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

التكنولوجيا الحديثة والمجتمع

GMT 17:11 2014 الأحد ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شركات الأزياء تخالف البروتوكولات وتعتمد على البدينات

GMT 04:58 2016 الأربعاء ,29 حزيران / يونيو

بحث يكشف فعالية الأسبرين السائل في علاج سرطان المخ

GMT 11:01 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الهولندي ريكو يطالب أنصاره باحترام بدر هاري

GMT 04:54 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

"دولتشي آند غابانا" يقدم مجموعة "الملائكة" لخريف وشتاء 2019

GMT 00:47 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

سيارات"أودي" تمثل ثورة على الرؤية الخلفية

GMT 04:48 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

مغادرة سيرج غازاريان من لبنان بعد تقديمه الأداء الأضعف

GMT 14:19 2016 الأحد ,14 شباط / فبراير

زين مالك فى لوك بناتى على "تويتر"

GMT 15:52 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

كونتي يواجه غيابات هامة أمام بورنموث في الدوري الإنجليزي

GMT 22:28 2014 السبت ,12 تموز / يوليو

كنافة بالجبن لايت

GMT 04:24 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مهرجان الشوكولاتة السنوي يجمع العشاق في لفيف الأوكرانية

GMT 05:21 2016 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فوز دانيال أورتيغا بولاية ثالثة لرئاسة نيكاراغوا

GMT 22:34 2017 الأحد ,07 أيار / مايو

الأرضيات الملونة موضة رائجة في مطابخ 2017

GMT 06:29 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

اليك طريقة عمل افضل كريم مقشر للجسم

GMT 06:38 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي أبوالهول تسعى لترسيخ حب القراءة للأطفال بـ3 مجموعات قصصية

GMT 07:17 2017 الخميس ,18 أيار / مايو

طريقة تحضير وجبة برياني الدجاج من لبنان

GMT 23:16 2014 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على ماسك الذهب
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya