اللايقين

اللايقين

المغرب اليوم -

اللايقين

بقلم : حسن طارق

سألت صديقي الذي مرت عدة أسابيع على لقائي الأخير معه، عن قراءته للوضع السياسي الراهن في ظل ما تُسميه البلاغة اليومية بـ”البلوكاج”، فبادرني بجواب مقتصد في العبارة: “إنه زمن اللايقين” .
صديقي الذي يفضل أن يقدم نفسه باختصار كمناضل ديمقراطي بالرغم من انتمائه الحزبي، يميل بحكم تكوينه النظري والسياسي إلى التركيب والكثافة، لذلك طلبت منه شيئا من التوضيح والتدقيق .
فاسترسل أمامي مبسطا أفكاره المرتبة  :
“اللايقين هو انتصار التدبير التقديري للزمن السياسي، حيث لا شيء يجب أن يحدث كما يقتضي المنطق، وكما نعتقد في انتظاراتنا الساذجة أو كما يفترض أن يحدث في ظل حياة ديمقراطية سليمة .
اللايقين هو مشروع القتل البطيء للسياسة، حيث الانتخابات لا تُفضي إلى ما يجب أن تُفضي إليه، فهي ليست لحظة تأسيسية لها ما بعدها، ولا هي محطة منتجة للرهانات وللمعنى، ولا هي حدث مهيكل للزمن السياسي .
اللايقين هو رمي الإرادة الشعبية إلى دائرة الهشاشة القُصوى، وتكريس الاقتناع بأن التقدم في النصوص لا يعني تحصين أي مكاسب “نهائية” في معركة البناء الديمقراطي .
اللايقين هو ترسيخ “العدمية” كرياضة وطنية وشعبية يقترحها سادة المرحلة الجديدة /القديمة، أمام المواطنين، بديلا عن نقيضها الناشىء: الثقة في السياسة .
اللايقين هو الشك الدائم في إمكانية صعود الشرعية من أسفل، وهو الاقتناع الحاسم بقصور المجتمع وبحاجته الماسة إلى وصاية الدولة .
اللايقين هو الانعكاس الطبيعي لإيديولوجيا التفوق التاريخي للدولة على المجتمع، وللتقنوقراط على المنتخبين، وللإدارة على المواطن، وللترتيبات المسبقة على المفاجآت غير المنتظرة .
اللايقين هو الإصرار على أن التقدم ليس أفقا ضروريا للمسار السياسي، وأن التراكم الهش ليس كافيا للقطع مع أساليب الماضي .
اللايقين هو تعليق الأمل في مستقبل سياسي أفضل، وتعميم الخوف من العودة القريبة لما قبل خطابات الانتقال، حتى يصبح سقف الطموح الجماعي واطئا، ويصبح بالتبعية الخيار السيئ خيارا حكيما، فقط لأنه يجنبنا الأسوأ .
اللايقين هو أسبقية السياسي على القانوني، وأولوية الأعراف المرعية على الميثاق الدستوري، وهيمنة القواعد غير المكتوبة على ثقافة الفاعلين.
اللايقين هو ترسيم الانتظارية بديلا عن الإرادوية،  قاعدة القرب من الدولة بديلا عن المنهجية الديمقراطية .
اللايقين هو الذهاب رأسا إلى حالة سياسية قاحلة، بلا أفق واضح للمرحلة ولا مشروع وطني مهيكل ولا “وعد” كبير ملهم، بعد انكسار خطاب التأويل الديمقراطي للدستور، وقبله أفول مقولات الانتقال وما جاورها من عناوين استطاعت على الأقل أن تصلح كشعارات للتعبئة”.
قاطعتُ صديقي، مبديا استغرابي من نبرة التشاؤم الحاد التي تطبع تحليله، وهو المعروف دائما بالاعتدال والحكمة، لكنه فاجأني قائلا بأنه على العكس، لم يحدث أن كان متفائلا بمستقبل الديمقراطية ببلادنا كما هو اليوم !
لم أستوعب جوابه، وقبل أن أتركه يفسر موقفه، مازحته قائلا :
“فعلا، إنه زمن اللايقين” !
ابتسم صديقي، ثم واصل حديثه الشيق …

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللايقين اللايقين



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 11:41 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فندق الغابة في المكسيك في قلب الجبل ويتألف من 3 غرف فقط

GMT 07:21 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

أخنوش يثير الجدل بعدما توعّد بـ"إعادة تربية" المعارضين

GMT 11:55 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

نيمار يبلغ مارسيلو بقراره حول ريال مدريد

GMT 21:04 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

السعودية تعلن وفاة الأمير فيصل بن بدر

GMT 17:53 2019 السبت ,23 شباط / فبراير

ماذا يحدث للجسم عند تناول 3 تمرات يوميًا

GMT 20:25 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

توقيف شخص بحوزته 40 ألف يورو غير مصرح بها
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya